لا تزال الصفحات الثقافية في صحفنا اليومية تقبع في ركن مهمش في الحراك الثقافي المشهود، وكأنها تنتظر من يتصدق عليها، إلا فيما ندر حين نرى بعض الإدارات تؤمن بالثقافة وتدرك أهمية البعد الثقافي في صحيفتها.

فيما يقول الصحفي "اسماعيل مروة" مدير تحرير في جريدة "الوطن" ومسؤول قسمها الثقافي وهو أديب وسارد قصة ورواية عن هذا الموضوع: «لقد حظيت بشرف الكتابة لـ"تشرين، الثورة، البعث، الوطن"، ووجدت أن الواقع الثقافي هو صورة عن واقعنا العام على المستوى العربي وليس على المستوى السوري، وعلى مستوى العالم لا يكون الوسط الثقافي والتعليمي إلا صورة لطبيعة المجتمع السياسية بل الحضارية، لذلك أنا لا أرى هذا التشاؤم في الواقع الثقافي الحالي، لأن المحيط الحضاري بالمنطقة كلها يتمتع بهذا الشحوب أو الصورة الغبشية، أم عن الصفحة الثقافية في صحفنا اليومية غالباً ما تكون في المرتبة الأخيرة، وأنا أخالف الأستاذ "سعيد الشريفي" بأن الصحف الثقافية ليست موكلة بالمعارض، طبعاً أوافقه الرأي فقط بحجم المادة، أم إذا لم تكن الصفحات الثقافية لشاب مبتدئ وتشكيلي مبتدئ وكاتب مبتدئ، إذا لا خير فينا ولا بصفحاتنا الثقافية».

لعل غياب النقد الأدبي المتخصّص في معظم الصحف المحلية التي تهتم بنقل الخبر أو الكتابة عن رواية أو موضوع ما دون الدخول لعمق الموضوع وتحليله وإبراز نقاط القوة والضعف فيه، يساهم في إضعاف الصفحة الثقافية، وهذا يعني حاجة الصحافة لمتخصصين يعملون على إضاءة هذه المسائل بتحليلاتهم ومداخلاتهم ليرتقوا بالصفحة الثقافية إلى أن تكون مقروءة على الأقل

وأضاف "مروة": «الوضع الثقافي جزء من الوضع العام ولا خلاف في ذلك، ومطلوب منا أن نقدم الثقافة بشرط واحد فقط، وأنا أحاول أن أعمل بذلك وأنوه بقضية الأدباء المثقفين الشباب لأن بعضنا أحياناً يصدر كتاباً مهماً لا يحظ بخبر واحد في جرائدنا فهذه مشكلة حقيقية، والثقافة فقط كما أفهمها أنا هي أن أقدم الثقافة ليس على أنني المثقف الوحيد الفهيم، وأنا أرى أن كل من يقدم مادة ثقافيةً بعد الحكم عليها بأنها جيدة وإن خالفتني الرأي وكانت تنطلق من وجهة نظر أخرة، معني بالشأن الثقافي».

اسماعيل مروة من اليمين

تحدثت الصحفية "سعاد زاهر" رئيسة القسم الثقافي في جريدة "الثورة"، عن هذا الموضوع قائلةً: «ربما أصعب ما تواجهه لدى الحديث عن أزمة أو مشكلة ما، البحث عن الجديد الذي يفترض بنا أن نطرحه، ومع مرور الوقت تتبدى مشكلات الصحافة الثقافية، وكثيراً ما قرأت عن موضوعات أو تحقيقات تناولتها.

المشكلة إذا موجودة منذ فترة والأحاديث عنها كثيرة، ترى هل تعطي النتيجة المرجوة...؟ لن نتشاءم وسنؤمن أنها ستفعل؟.

سعيد الشريفي من اليسار

كلنا يعرف الجوانب الايجابية التي تقوم بها الصفحات الثقافية من الترويج لحدث أو أنشاط ثقافي، ومتابعته ربما أكثر مما يستحق، ولكن أكثر مهمة أؤمن أنها يفترض أن تتواجد في الصفحات الثقافية وتفرد لها مساحات واسعة ونحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى، "النقد" الذي ينطلق في رؤيته من فكر نظيف لا هم له سوى البعد الثقافي بغض النظر عن ماهية الأشخاص، شريطة أن يأتي النقد من قلم مثقف ونزيه، حينها إما أننا سنرى وجهاُ جديداً للأنشطة الثقافية، أو ربما نساهم في انكفاء تلك المفرغة من أي مضمون، والتي لا تقدم سوى من أجل الاستمرارية، وكأنه واجب يقتضي عليها أن تسير إلى مالا نهاية حتى لو لم تعش أي تأثير».

وتضيف "زاهر" عن معاناة الصحافة الثقافية، حيث تقول: «تأتينا معاناة الصحافة الثقافية عبر وجوه عديدة، أولاً: انعكاس أزمات الثقافة على صحافتها، الأمر الذي يصعّب من مهمتّها، حيث قد يمر شهر أو حتى أشهر دون أن نعيش حراكاً ثقافياً مميزاً.

الصحفيتان سعاد زاهر وسلوى عباس

الوجه الثاني: الصحافة الثقافية تتشكل من ثلاث أطراف (نشاط ثقافي بكل مكوناته من طرف، ومتلق من طرف آخر، وصحفي متخصص من طرف ثالث) وأي خلل في هذا الثالوث سوف ينعكس على المنتج الإعلامي، ونحن نعرف جيداً أن كل طرف له معاناته وله عوالمه العازلة عن التواصل مع الطرف الآخر».

لا يمكن الحديث عن الصحافة الثقافية بمعزل عن ظروف الصحافة بشكل عام، والتي صارت تحكمها الشهادة الجامعية بغض النظر عن مؤهلات حامل هذه الشهادة، فيما إذا كان يتمتع بموهبة الكتابة الصحفية أم لا، وبهذه المعطيات أصبحت الصحافة منبراً لكل من يعرف القراءة والكتابة، دون الاهتمام بتدريب هذه الكوادر وزجّها مباشرة في العمل الصحفي، رغم جهلها بألف باء الكتابة ومتطلبات هذه المهنة.

تقول الصحفية "سلوى عباس" رئيسة القسم الثقافي في "البعث" في هذا الصدد تحت عنوان "الصفحات الثقافية بين الواقع والمأمول": «المفارقة أن الإدارات توزع الكوادر على الأقسام حسب رغبتهم على مبدأ "صحافة جبران الخاطر" دون الوقوف عند مسألة مدى أهلية هذا الشخص أو ذاك للعمل بهذا القسم أو غيره، والقسم الثقافي في أي صحيفة لا يختلف في حاله عن الأقسام الأخرى، حيث تفرز له كوادر تفتقر للمرجعية الثقافية، فمحرر الثقافة – كما نعتقد- يجب أن يكون مطلعاً على كل الأمور المتعلقة بالثقافة سواء على الصعيد المحلي أو العربي، والأسماء الفاعلة في الشأن الثقافي القدامى منهم والحديثين، ومن الضروري الاهتمام بالخبر الثقافي المحلي لإطلاع القارئ على الحراك الثقافي في البلد، يضاف إلى هذا كله سعي الوجوه الجديدة من الشباب للوصول إلى المجد في مدة قصيرة تتعدى كل حواجز الزمن دون أدنى اهتمام بالتعلّم الجاد والالتزام بالعمل المهني، ومع ذلك يبقى هناك قارئ ثقافي متواجد دائماً ويتابع ما يكتب وما ينشر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تهتم الصحف بهذا القارئ من خلال دعمه ومشاركته في تفعيل هذه الصفحات؟!».

وتضيف "عباس": «لا يخفى على أحد الدور الهام والتنويري الذي تلعبه الصحافة الثقافية في الصحافة المحلية، من حيث تغطية الفعاليات وإبرازها للخبر المحلي، رغم أن الصحافة الثقافية تعاني من إشكاليات ومعوقات تبرز في منافسة الإعلانات للثقافة، حيث إنه يتمّ غالباً تأجيل أو حتى إلغاء الصفحة الثقافية لصالح إعلان تجاري ربما لا قيمة له، مما يؤكد أن الإعلام تحوّل بوجه من الوجوه إلى مشروع تجاري مربح على حساب الشأن الثقافي».

وعن الحالة النقدية الأدبية المعنية بالشأن الثقافي تقول "عباس" مضيفةً: «لعل غياب النقد الأدبي المتخصّص في معظم الصحف المحلية التي تهتم بنقل الخبر أو الكتابة عن رواية أو موضوع ما دون الدخول لعمق الموضوع وتحليله وإبراز نقاط القوة والضعف فيه، يساهم في إضعاف الصفحة الثقافية، وهذا يعني حاجة الصحافة لمتخصصين يعملون على إضاءة هذه المسائل بتحليلاتهم ومداخلاتهم ليرتقوا بالصفحة الثقافية إلى أن تكون مقروءة على الأقل».