"الحميماتية"، "كش الحمام" أو "مربي الحمام"، هي مصطلحات تدور في فلك خاص حول تربية الحمام بأنواعها المختلفة، فلهذه المهنة عادات وطرق خاصة في الممارسة، حيث تجد قديماً معظم مناطق المخالفات احتضنت على أسطح منازلها أعشاشاً مختلفة من الحمام، إلى أن ارتبطت هذه المهنة بتراث وعادات الأحياء والمدن الشعبية باختلاف آرائها.

موقع "eSyria" بتاريخ 6/8/2010 وخلال جولته في منطقة جسر "النحاس" بركن الدين التقى عدداً من ممارسي هذه المهنة القدماء ليحدثونا عنها.

إن مهنة تربية الحمام وكشها موجودة في الاحياء الشعبية القديمة، وهي من المهن التي تعتبر جرماً، فمن حق أي شخص أن يقاضي مقتني الحمام والذي يقوم بما يسمى "الكش"، أما عن عدم مصداقية شهادة المربي في القانون، فهذا باطل، وليس هناك أي نص قانوني يقول بأنه لا يقبل شهادة "كشيش" الحمام

بداية الحديث كان مع السيد "قاسم أيوب" من "الحميماتية" القدماء في منطقة "ركن الدين"، هنا يقول: «اعتدنا رؤية مقتني الحمام أنهم من هواة التربية للزينة والاستمتاع بمنظر الحمام في حدائق منازلهم فقط، وذلك لإرضاء أشياء داخلية في نفس الإنسان، ولكن ثمة هواة آخرون لهم العالم الخاص بالحمام وهم من هواة "التطيير والتكشيش"، وبالطبع كنت أحدهم في السابق، حيث كنت استمتع بهذه الهواية من خلال تطيير الحمامات على سطح منزلي في الجبل وكشها بطريقة فولكلورية عبر أصوات وإشارات معروفة لدى المربين الآخرين، فعشق الحمام و"كشه" ليست من الهوايات البسيطة بل لها ارتباط شديد بعاطفة وشخصية مربيها، وبالتأكيد حي "ركن الدين" كان أحد الاحياء الدمشقية المعروفة بكش الحمام، فقد عرف هذا الحي أسماء مهمة على مستوى دمشق في كش الحمام مثل بيت "الأيوبي ووانلي وآشيتي"».

الحمام والقفص الخشبي

الكثير من الشائعات سكنت جوار هذه المهنة، فمنهم من قال إن شهادة "مربي الحمام" قانونياً غير صادقة أو غير مقبولة، ومنهم من قال إن مهنة تربية الحمام وكشها جريمة، عن كل ذلك يحدثنا المحامي "محمد كوسا" فيقول: «إن مهنة تربية الحمام وكشها موجودة في الاحياء الشعبية القديمة، وهي من المهن التي تعتبر جرماً، فمن حق أي شخص أن يقاضي مقتني الحمام والذي يقوم بما يسمى "الكش"، أما عن عدم مصداقية شهادة المربي في القانون، فهذا باطل، وليس هناك أي نص قانوني يقول بأنه لا يقبل شهادة "كشيش" الحمام».

"كش الحمام" كان يأخذ وقتاً كبيراً من المربي على حساب أشياء أخرى، هنا تقول السيدة "درية بيرم" من الحي: «إنني وعيت على الدنيا وأنا على علم كامل بأهمية هذه الهواية لدى شباب الحي، وحتى وقت زواجي كنت أراقب زوجي وهو يمارس هوايته الغريبة للبعض على سطح المنزل، فهي هواية مرتبطة بعشق شديد يدور في قلب الهاوي، ومن الجدير بالذكر أن هذه الهواية كانت لها قوانين ودستور يلتزم به "كشيشة" الحمام في الحي، كما كان هناك رابطة لهؤلاء يجتمعون فيها ويبحثون في مشاكلهم لحلها».

في ركن الدين

ربما احتلت هذه الهواية وقتاً كبيراً من أهل الحي قديماً، هنا وعن تربية الحمام "كشه" يخبرنا الأستاذ الباحث "عزالدين ملا" من سكان المنطقة: «كانت تربية هواية الحمام منتشرة بين الكبار والصغار يتوارثها الأبناء عن الآباء وعن أصحابهم وذويهم، فكانوا يتخذون من أسطحة المنازل أندية يتسامرون عليها ويبنون السقالب والشباك وعيونهم شاخصة في الجو يناجون الحمائم في هديلها ويؤخذون بأنواعها وألوانها ويصيحون بأصواتهم ويصفرون، يلوحون ويرشقون الحارة بقشور الخضار والثمار فيتخاصمون ويتلاقون ويتعرضون للمخاطر ويجوعون ويظمؤون من أجل حديث عن الطير في حله وترحاله، وكما يبنون عليه فلسفة في الحب، الجمال، العطف والرحمة، فترى من تلوثت أياديه بالروث وهو يتناول طعامه أو شرابه فلا يأنف ولا يتأفف وقد يلعق رأس الطير بلسانه وفي فمه ويتفرس فيه الخير».

يتابع: «لقد هوى أحدهم وهو يعلو ذروة عمود الكهرباء ليمسك طيراً حط عليه فلا يدعه إلا وأصابته جروح وكسور أقعدته شهوراً، كما تجد بعضهم في مركز اجتماعي مرموق يعود من مركز عمله كي يجالس حمائمه وقد نسي كل ما حوله حتى نفسه، وهناك الدهاقنة من مربي الحمام الذين لهم قول الفصل في فض المشاكل والنزاع وأحكامهم ملزمة لا يمكن نقدها، فلكم أوجدت هذه الهواية أواصر وصلات التصاهر والقربى، وكم تعاونوا وعملوا معاً من خلال "رابطة الحمائم"».

وعن هذه الهواية في حي "ركن الدين" يقول "ملا": «هواية تربية الحمام "كشه" انتشرت بشكل واسع في القرون الماضية في حي "ركن الدين"، فقد اشتهر هذا الحي الجبلي بأسماء لها باع طويل في تربية الحمام، ومنهم "أبو فايز عوض" كان يعمل في البلدية، وكان سقلبه على سطح داره تجاه "الرزي آنة"، إضافة إلى أولاد "عمر كنك آشيتي، دياب الزيبق الأيوبي، عبد المجيد وانلي"، وعلى الرغم من كل هذا الحب والعشق لمهنة "الكش" فإنه ثمة جوانب سلبية لها، حيث بعض مربي الحمام كان لهم عادات مزعجة للسكان وهذا ما دفع بعض العائلات لمنع وجود "الحميماتي" في حيهم».