يوسف دعيس



صدر للأديبة "نجاح إبراهيم" رواية جديدة بعنوان : " عطش الإسفيدار" عن دار "الطليعة الجديدة" ب"دمشق" والرواية فازت بالمركز الأول في مسابقة المزرعة لدورة عام 2004 وتنظمها مديرية الثقافة ب"السويداء" ويغطي نفقاتها المهندس السوري "يحيى القضماني" المقيم بالإمارات العربية المتحدة .

ومماورد في تقرير لجنة التحكيم المؤلفة من السادة الأدباء : الدكتور "علي عقلة عرسان" و"محمد عزام" و"فواز حداد" : «تختط الكاتبة أسلوباً سردياً متميزاً وصعباً ،مونولوج بوح لافت وطويل مركز على مدار الرواية ،تخاطب امرأة حبيبها ،اللغة جيدة موحية ومتوترة ،عناصر البيئة حاضرة بقوة وحذاقة ،مؤكدة على قيمة المكان،الاقتباسات تشي بثقافة ممتازة ومنتقاة ..»‏

والاسفيدار تسمية فارسية لشجر الغرب الذي يكثر بالمنطقة الفراتية ومما جاء في إهداء الرواية :« حين ما ل علينا الاسفيدار ،تراجف الفانوس كعصفور الشوك ، وأزهر الدخان كالوقت ، وأرقص منابع الدمع حينها اكتشفت أبجديات أخرى للأشياء ،اكتشفت أن الأرض أصبحت بين كفي ريانة بالبشائر كثدي واهب ، لا ذاكرة يمكنها أن تحده ،ورأيت الوله يهتف مثل الحلم ».

تقع الرواية في / 132 / صفحة من القطع المتوسط ولوحة الغلاف تفصيل من لوحة للفنان "ناصر زين الدين".



د.محمد رياض وتار



لا يستطيع المرء أن يغفل عن العلاقة بين الشرق والغرب في رواية "عطش الإسفيدار" للروائية "نجاح إبراهيم" برغم أن هذه العلاقة لا تبدو مقصودة لذاتها في الرواية ، كما نجد في النتاج الروائي العربي ، بدءاً بجهود رجالات الإصلاح في نهاية القرن التاسع عشر ، ومروراً ب"توفيق الحكيم" ، و"يحيى حقي" ، و"عباس محمود العقاد"، وانتهاء بالجديد الذي ظهر بعد نكسة حزيران ، والذي تمثل بالكتابات الروائية لدى كل من "سليمان فياض" ، و"حميدة نعنع" ، و"حنا مينة"، و"عبد الحكيم قاسم"، و"إلياس الديري" ، و"سميرة المانع" وغيرهم .‏

والرواية لا تقدم جديداً على مستوى العلاقة بالآخر ، فهي تنضم إلى غيرها من الروايات في توجيهها النقد اللاذع إلى الغرب ، وتقع في المحظور الناتج عن سقوط الذات في مطب التناقض ، وازدواجية الموقف والرؤية.

فالرواية تحكي قصة شاب من مدينة "الرقة" ، تخرج في كلية الهندسة بتفوق ، ولكنه لم يجد عملاً يتوافق وموهبته ونبوغه فهاجر إلى النمسا التي احتضنت موهبته ، ووجد فيها ذاته.

وفي بلاد الغربة تعرف إلى امرأة تدعى "ألكسندرا" ، أحبها ورغب بالزواج منها ، ولكنها كانت تخدعه ، فلم تكن سوى جاسوس عليه لصالح شركة أخرى.‏

إن الازدواجية في الموقف من الآخر تبدو في صورة الآخر الذي يبدو ممثلاً للتقدم والتطور من جهة ، ومكاناً للضياع والغربة والخيانة من جهة أخرى ، وقد كررت الرواية كثيراً العبارتين التاليتين : "ضباب ليتس"، و"خيانة ألكسندرا".‏

أما الوطن فهو ليس بمنأى عن الازدواجية ، فهو وطن متخلف ، يهدر طاقات أبنائه ، ولا يستفيد من عقولهم لتحقيق التطور والتقدم ، من جهة ولكنه مكان جميل يبعث في النفس الطمأنينة والراحة، من جهة أخرى.‏

وهكذا فإن كلا من الوطن والغرب يبدو ـ كما تراه الرواية ـ مكاناً يجمع بين المتناقضين: الإيجابي والسلبي.‏

إن هذه الازدواجية التي يلحظها الباحث في رواية "عطش الإسفيدار" مردها في رأينا ، إلى موقف السارد وإيديولوجيته.

فقد سردت الرواية أكثر من مئة وثلاثين صفحة لتثبت إخلاصها لبطل الرواية ، ابن بلدها "مزيد"، ولتؤكد للمتلقي خطأ القرار الذي اتخذه بطل الرواية ، حين أقدم على الهجرة إلى الغرب.‏

ما قلناه سابقاً عن عدم قصدية الروائية في طرح العلاقة بين الشرق والغرب في روايتها ، نؤكده من خلال تحليلنا لموقف الرواية ذات الكاتب الثانية ، وممثلة الكاتبة من الشرق والغرب ، وما ميز هذا الموقف من الانفعالية التي ظهرت على شكل ازدواجية ، وهذا ما يغرينا بتحليل شخصية الرواية.‏

شخصية الراوي:‏

لقد بدت الرواية أقرب إلى إنسان يقف في ساحة المحكمة ليؤكد براءته ، وصواب رأيه.

إنها امرأة مصابة بعقدة التفوق ، والشعور بالنصر ، فقد طعنت في كبريائها ، بوصفها أنثى ، ولكنها تحدت وصمدت ، وحاولت أن تسترد كرامتها عن طريق إثبات وجودها.

وهذا ما اعترفت به لحبيبها المهاجر "مزيد" في إحدى رسائلها له ، وهذا ما جعلها، في رأينا ، توقف سرد أحداث الحاضر ، حيث عاد البطل إلى أرض الوطن في تابوت ، لتسترجع ما حدث لبطل في الوطن ، وفي الغربة ، مؤكدة أنها كانت على صواب ، وأن مزيد كان على خطأ .‏

لقد تم سرد الأحداث بوساطة راو عالم بكل شيء ، ومهيمن على الأحداث والشخصيات أيضاً.

فالأحداث والشخصيات بما في ذلك الموقف من العلاقة بين الشرق والغرب قدم كل ذلك من منظور الراوي المشاركة في الأحداث ، مما يشي بهيمنة الصوت الواحد ، وغياب الديموقراطية عن الرواية.‏

إن الراوي الذي كلف بسرد الأحداث وتقديم الشخصيات هو راو مستبد ، لم يمنح الشخصيات الأخرى فرصة تقديم ذاتها والتعبير عن رأيها.

فالآخر ـ ممثلاً بألكسندرا ـ قدم من خلال الأنا / رسائل البطل، والرواية.

الأمر الذي يجعلنا نحكم على تقديم العلاقة بالآخر روائياً بأنها لم تقدم بشكل صحي ، فإما أن يظهر الآخر في صورة ملاك، وإما أن يظهر في صورة شيطان مخيف .‏

إن الراوية تبدو، من جهة أخرى ، إنساناً عاجزاً عن البوح بمشاعره تجاه الرجل الذي لم يكن مبالياً بها ، وبوجودها. لقد صمتت طوال سنوات عدة ، وبعد موت البطل انفجر في داخلها خزان الكلام ، فكانت الرواية التي امتدت على مئة وثلاث وثلاثين صفحة ، سرد معظمه بضمير المخاطب الذي هيمن على السرد ، ووسمه بسمة البوح عن المشاعر والأحاسيس التي ظلت حبيسة طوال سنوات عدة.

وهذا يغرينا بالحديث عن الطريقة التي اعتمدت في السرد.‏

طريقة السرد:‏

من الطبيعي أن نجد في رواية ما الضمائر الثلاثة الرئيسة : ضمير المتكلم ، وضمير الغائب ، وضمير المخاطب .

ولكن اعتماد الكاتب ضميراً معيناً لسرد الأحداث ، وتقديم الشخصيات هو أمر في غاية الأهمية .

عودة