الصورة غير متوفرة

الروائي العراقي "حمزة الحسن"

الزلزال الذي ضرب بعض العواصم العربية قبل سنوات بسبب رواية حيدر حيدر "وليمة لاعشاب البحر" كشف عن خواء ثقافي وكشف عن فضيحة اخلاقية وسياسية تحب دائما ان تلبد خلف أقنعة مثالية كاذبة وتدافع بحماسة ملفقة عن وضع منهار ومتهالك ينخر فيه السوس.

هؤلاء الذين خرجوا أو خرجن الى الشوارع صارخين غاضبين على هذه الرواية لأنها تناولت بمبضع جراح خبير ، وروائي موهوب وشجاع ، فساد الامكنة والمؤسسات وقواعد السياسة واللغة وغيرها ، لم يلتفتوا خلال تظاهراتهم الصاخبة الى ضواحي المدن العربية التي مروا بها وربما كان بعضهم يعيش فيها ، ورأوا كيف يمكن تحويل المواطن الى حشرة أو بهيمة في احياء من الصفيح لا تصلح حتى حظائر للحيوانات أو مقابر للموتى أو مجمعات لانتاج العذاب وذبول النساء والرجال والاطفال كالازهار بسبب الفقر والبحث عن ماء أو قطرة ضوء أو فراش يليق بآدميتهم أو في الاقل بموتهم البطيء.



د. بان حميد / أيلول 2006

لم تكن رواية حيدر حيدر "وليمة لاعشاب البحر" كغيرها من الروايات العربية ، فقد جعل منها مؤلفها ريحا عاتية تكشف كل الفضائح الاخلاقية والسياسية ، وقد كان مبدعها جراحا ماهرا تلمس بدقة جراح مريضه مشخصا الداء الذي استشرى في الجسد فاحاله جسدا خاويا لايشبه الا فزاعة الحقل ، متخذا من ابطال روايته جنودا محاربين يفصحون عما يريد في زمن كان فيه عراقنا الجريح مسرحا لانكسارات السياسية ، زمن مفعم بالثورات والاحزاب التي ليس لها الا رفع الشعارات في الوقت الذي تمارس فيه يوميا حملاتها القمعية واغتصابها لحقوق ابنائها دون ان يسمع لهم صوت. الرواية نشيد حزين يصدح بالموت ، تتغنى به مجموعة من اليساريين العراقيين وقد راودهم حلم كبير في تغيير واقع بلدهم وجعله افضل ولو بالسلاح ، وقد كانت شخصية "مهدي جواد"، و"مهيار الباهلي" رفيق الغربة والنضال و"اسيا الاخضر"، و"فله بوعناب" الجزائريتان ، الشخصيات المحورية التي بنى عليها روايته، والمحركة لمعظم احداثها ، والتي تظهر فيها الدقة المتناهية للكاتب في اختيار شخصياته.

لقد جسد "مهدي جواد" شخصية المناضل العراقي ، البطل الثوري الذي رحل الى الجزائر "المنفى" ليدرس اللغة العربية ضمن خطة التعريب بعد ثورة الجزائر واستقلالها.

وهو رجل في الاربعين من العمر يعاني من شعور بالمرارة والضياع والانكسار وكأن روحه مرآة عاكسة لهزائم حزبه الذي اطيح به لاسيما بعد ظهور اللوثايان رجل يحاول ان يجد له ملاذا امنا في امرأة تحاول ان تلملم شتات روحه لتنزع بعد ذاك ، كل مرارات الحياة من داخله، ليبني من خلالها عالما مثاليا حرا بعيدا عن يد الاخطبوط وبطشه.

ولم يكن "مهيار الباهلي" اقل من رفيقه "مهدي" شجاعة ونضالا، فقد خاض مع رفاقه حربا ضارية في الاهوار خرج منها مثقلا بجراح النفس والجسد، لابل ان جرح روحه اقوى واعمق لانحراف قيادته "قيادة الحزب الشيوعي العراقي" انذاك عن خط مسارها.

عودة