الصورة غير متوفرة

الدكتور عزت عمر



تحتفي هذه الرواية بعالم الماورائيات والكائنات الخفية من الجنّ التي تقتحم حياة الشخصية المحورية في الرواية بحيث تنقلب حياتها رأساً على عقب ، فمن ربّة أسرة تهتمّ بزوجها وولديها ، وكاتبة وشاعرة لها حياتها الثقافية ، إلى كائنة قلقة ومتعبة على الدوام نتيجة لاقتحام الشيطان حياتها وقيامه بإغوائها ، للخوض في تجربة إبداعية جديدة ومختلفة عما كانت تكتبه من قبل ، نظراً لأنها من حيث الأساس تمتلك فضولاً كبيراً لكشف أسرار الإنسان المبدع من جهة ، وكشف أسرار العلاقة بينه وبين خالقه ، وكشف أسرار الحياة والوجود والموت من جهة ثانية.

وقد يكون من المفيد أن نبدأ قراءتنا لهذه الرواية بدءاً من عنوانها "الغاوي" كمفتاح دلالي أوّلي ، لاسم الفاعل المشتق من الفعل غوي ومصدره الغواية وهي تعني لغوياً : الإمعان في الضلال ، وغوى الشيطان فلاناً: أضلّه وخيّبه ، وجاء في القرآن الكريم وما ضلّ صاحبكم وما غوى وأيضاً: ربّنا هؤلاء الذين أغوينا ، أغويناهم كما غوينا .

وهذا ربّما سيشير إلى أن ثمة غاو و مغويّ وأن فعل الإغواء كان قد تمّ في لحظة زمنية سابقة على الفعل السردي ، ولكنه ليس إغواء يقود الشخصية المحورية ، وهي الساردة بتراء إلى ارتكاب الرذائل ، وإنما هو كما أسلفنا لارتياد آفاق المجهول الماورائي نتيجة للرغبة الدائمة للبطلة الممثلة في شخصية "شاعرة وكاتبة" ذات فضول خاص في معرفة مصائر هذا الإنسان المرشّح للموت منذ لحظة ولادته ، ورغبتها في تجنّب هذا الموت وسيرته الحافلة بالشقاء والعذاب والحزن والألم ، وأخيراً في الانتقال من وضعية الإنسان الفاني إلى عالم الخلود ، ولكنها لا تمتلك قوة جلجامش للعبور إلى العالم الآخر لكي تحصل على نبتة الخلود ، ولذلك فإنه كان من الأسهل عليها قبول دعوة الشيطان والرضوخ لوسوساته التي زيّنت لها الطريق تنفيذاً لقسمه المعروف في سورة "ص" فبعزتك لأُغوينهم أجمعين .

عودة