رجل يحمل قضية، أو رجل يدافع عن قضية، يغامر، ويضحي، من أجلها. يعيش حياة الملاحقة والتخفي. ثم يقبض عليه ويدخل السجن. يواجه مايواجهه السجناء السياسيون عادة. يقضي مدة ثم يخرج فيكتشف أنه كان يحمل قضية، وفي هذه التجربة اكتشف " القضية ".

مايلفت الانتباه في هذه المجموعة من القصص القصيرة التي تنزف، بفعل السياسة، أنها تخلو من كلمة سياسية واحدة. إنها أيضاً، خالية من مشاهد التحقيقي والتعذيب والضعف، أو البطولة، أمامهما.

ربما لهذا أثارتني المجموعة ودفعتني للكتابة عنها.

ذات يوم سمعت عبد الرحمن منيف ينصح كاتباً "متخرجاً" من السجن، وقد قال له: هاأنت قد خضت تجربة وعانيت ودفعت الثمن. اهدأ الآن. وسيطر على توترك وردود أفعالك، واكتب أدباً.

ابراهيم صموئيل لم يسمع نصيحة عبد الرحمن منيف لكنه استمع إلى نصيحة قلبه، وربما كان قلبه هو الذي اكتشف القضية.

إن المناضل السياسي يحمل قضيته شعارات وعناوين. ولذا فهي قضية عامة : الوصول إلى الجماهير، تحريك الجماهير، توعية الجماهير، البحث عن حل لمشكلة المجموع، البحث عن أثر الانحراف السياسي على الشعب..

أما "القضية" والتي يتعامل معها ابراهيم صموئيل بعد التجربة في قصصه كلها – فتبدو خاصة وشخصية. إنها تفاصيل من الحياة. ولأنها تفاصيل صغيرة وخاصة وشخصية فإنها أكثر انسانية من الشعار السياسي. فهي، حتى حين تغرق في الخصوصية والشخصية، تصبح أكثر شمولية لأنها تشبهنا. وتصبح أيضاً أكثر تأثيراً لأنها تدخلنا من باب القلب، سيد الحياة، بينما يدخلنا الشعار السياسي من باب العقل (قاتل الأدب).

سئل طفل فلسطيني في الأرض المحتلة : لماذا تكره الاسرائليين؟

فقال : لأنهم لايسمحون لي أن ألعب بالكرة هنا. وأشار إلى ملعب قريب في مدرسة. وهناك كان الأطفال اليهود يلعبون ولايسمحون للأطفال العرب باللعب.

أعتقد أنه من الممكن الدخول إلى إشكالية القضية الفلسطينية من إجابة هذا الطفل.

إن حياتنا جحيم.

مايتفقده الأدب هنا ويدلنا عليه وعلى ما خسرناه هو إنسانيتنا الضائعة. إنسانيتنا المتمثلة في علاقاتنا الصغيرة الصغيرة وأوجاعنا الصغيرة وهمومنا الصغيرة وأحلامنا الصغيرة: البسمة التي أشرقت على وجوهنا ذات مرة. والدمعة التي أفلتت من عيوننا ذات مرة.. وقطرة الدم التي قذفها سعالنا ذات مرة.

ماالذي تريد تحقيقه في الحياة؟

هناك جوابان.

الأول : تحقيق الثورة الاشتراكية والعدالة في العالم والتخلص من كافة أنواع الاستبداد والاستغلال.

والثاني : أن أكون إنساناً.

هناك من يطاردون (موبي ديك) : هناك جلجامش الذي يبحث عن الخلود.. ولكن هناك أوليس الذي رفض الخلود ببساطة لأنه يفقد الحياة معناها ومتعتها إذ يجردها من الخوف ومن الاحساس بالخطر.

بعد أن قرأت هذه المجموعة ازداد إحساسي بالخطر والخوف على أشياء كثيرة .

وتلك هي القضية!



ممدوح عدوان

عودة