الصورة غير متوفرة

ملحق ثقافي

الثلاثاء 6/3/2007

وئـام أمـون



لا يمكن أن تقرأ هذه الرواية إلا إذا كنت مؤهلاً لاختراق ذاتك ، والغوص في عالمٍ صنعته تجاربك أو لنقل جرتك يد القدر لأن ترى وتسمع وتقرأ بنوع من الصمت والحنين الدافق عن حياة ناسٍ تعرفهم وتحبهم أو ربما تكرههم لا عن ناس تبحث عنهم في الخيال ،

وذلك من خلال ما قدمه لنا كاتب هذه الرواية من حقائق وبراهين تجعلك تحس بأنه يتحدث عنك أو عن شخص تعرفه ، فتجربته غنية تطغى عليها الواقعية.

لا يمكن اعتبار " قصر المحار" رواية بشكل مجرد ولا سيرة ذاتية ، بل إنها رواية أفكار وأحاسيس نمت وترعرعت في سجن المحار حيث قضى الكاتب آفاقاً طويلة يبحث فيها عن خصوصيته فكان متفرداً في رؤاه وتحليلاته وانفعالاته المتفاعله مع شخصيات الرواية.

إنها بانوراما حقيقية متداخلة مع ذاتها تعكس الواقع العربي والعالمي بكل حالاته ونزواته التي وصلت أحياناً حد الهذيان.

بدأت من الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 على الجنوب اللبناني وبيروت ووقوف القوات السورية مع لبنان ضد الغطرسة الاسرائيلية .

" لكن الجيش الاسرائيلي صار على مشارف بيروت في منطقة خلدة ، فكان على المقاومة اللبنانية أن تتفعّل للدفاع عن لبنان ، لا شك أن تعاون السوريين معهم كان قوياً. هذه المغامرة العسكرية لرجال الحرب الإسرائيليين أشبه بنزوة الحيوان الجنسية مثيرة ومرعبة معاً (ص63+ص64 )".

كما عكس حوادث أخرى من العالم كالحرب الإيرانية العراقية التي حُصِدت نتائجها على مدى آلاف الكيلو مترات على الحدود بين الدولتين.

" يتقابل الجنديان عند شفا حفرة الموت ، ولا يعرف أحدهما سبباً لهذه الحرب أو لغيرهــا ( ص93) ".

وأفرد الكاتب حيزاً كبيراً للحرب العراقية على الكويت وكيف أودت بحياة الكثير من الأبرياء والمغتربين.

" حيث كان قد ظهر في الشمال من شط العرب ، رجل عسكري ، راح يدفع بجيوشه ، يجوب بها ، وقد أشعل حرباً لثمان سنوات على الشاطئ الشرقي للخليج ، وكاد أن ينشئها على حدود بلاده الغربية ، لكن الآن قد دفع بها من جديد نحو الجنوب ( ص140". •أما أهم ما ركز عليه الكاتب في روايته هو حياة الطالبة الجامعية / تيماء / في هذا الجو المشحون بالجنون.. الجنون الذي لم يفارقها طيلة حياتها منذ أن وعت حقيقة جسدها والمشكلة المرضية التي لاحقتها لمدة طويلة. تيماء بنت عازبة في مقتبل العمر / في الثانية والعشرين / ، كانت تعاني من فرط هرمون البرولاكتين والتي لم تكن تعير هذه المسألة أي اهتمام لأنها كانت تعتقد بأن كل الفتيات تمتلئ أثداؤهن بالحليب. عدم المعرفة هذا سببه الجهل الكبير بفيزولوجية المرأة وقلة الثقافة الاجتماعية التي يخلفها المجتمع والأهل وبخاصة الأم ، الأم التي جنَّ جنونها عندما عرفت بالأمر فشكت بابنتها وما كان عليها إلا أن ساقتها إلى أقرب طبيب مختص. على الرغم من حالة الاغتراب التي كانت تشعر بها هذه الفتاة في مجتمعها كانت تعيش حالة من الاندفاع والحميمية تجاه طبيبها الذي كان يعالجها.. هذا الطبيب الذي أصبح كل حياتها فيما بعد دون ابتزاز أو تلاعب بمشاعرها وأحاسيسها فقد مثّل الضمير الحقيقي والداخلي لها. كما تناول الكاتب في روايته محوراً أساسياً وهاماً هو محور المقاومة الوطنية الذي تعاطى معه من خلال ماغي – صديقة تيماء – التي ضحت بنفسها فداءً لوطنها ، و"يعقوب" شقيق "تيماء" هذا الشاب المناضل الذي أراد منذ طفولته أن يكون فدائياً... وكان يسأل أخته دائماً أن تضع صورته على جدار مدرستها الخاصة ، كحال المجاهدين الذين تعلَّق صورهم في كل مكان.

غير أن تلك الرغبة ازدادت به جموحاً ، حتى صرت متيقنة من امتلاكها لمفاعيل نفسه ، فيما يردده أمام اللوحة المعلقة في غرفة صفي الدراسي ، وهو يشير إلى مكان فارغ منها ويقول لي : «احفظي لي هذا المربع الفارغ ، حيث ستضعين صورتي».

وشخصية "تيماء" شخصية مركبة في هذا الزمان ، فقد تعاملت مع الحياة بإيجابياتها وسلبياتها ، كانت قارئة حقيقية للتاريخ والحوادث ، ومربية فاضلة وواعية لكل المستجدات التي تجري حولها ففي داخلها تقوم بعملية مقاومة هائلة ضد هذا المجتمع البالغ التعقيد.

«يقولون إن التعامل مع الناس حضارة ، وأضحيت واحدة ممن يعانون منها هذا الشكل للحضارة أخذ يذيب بعضاً من بنياني حتى اعتراني التحول ( ص110 )».

وفي وسط هذه التناقضات الكبيرة عرض الكاتب جوهر هذه الرواية عندما ربط حياة "تيماء" وهواجسها وإرهاصاتها الكبيرة وعلاقاتها المتداخلة مع الفكرة الأساسية للرواية ، وهو تكوّن اللؤلؤة داخل المحارة ، وماهية أصل اللؤلؤة وهل يمكن أن تتشكل هذه اللؤلؤة عبر الأيام سيما أن البذرة لتكونها هو طفيلي قذر يعشعش داخلها. " إن كل ما أطلبه ، أن لا يكون جنيني أقل من "يعقوب" و"ماغي" ، فماذا عساي أن أفعل بكلينا ؟. عدت ثانية ، أتصور اللؤلؤة المتشكلة حول طفيل بغيض ، غير أن اللؤلؤة لن تتشكل (ص249) ".

وأخيراً يمكننا القول : بأن الكاتب استطاع تحميل هذه الأحداث على حامل اللغة بشكل موفق ، لأن لغته مازجت شخصياتها وأحداثها..إذ جاءت لغة بسيطة معبرة عن المواقف بين أبطال الرواية وتفاعلها مع الأحداث أثناء رد الفعل.. فجاءت بانوراما حملت أبعاداً عديدة. الرواية : قصر المحار 2006 الكاتــب : عدنان خضور النـاشر : دار كنعان / دمشق عــدد الصفحات 253 صفحة‏

عودة