الصورة غير متوفرة

دار الفكر



تتناول هذه الرواية ذكريات حب قديم بين "مايك/ فادي" و"ليودميلا": فتتذكر ضيق صدرها السابق بواقعها، وهدوءها حين اعترافها بالكنيسة، وزواج أمها المسيحية من أبيها المسلم على كره أسرتيهما، وولادتها، وطفولتها، وعلاقتها بجدتها لأمها وجديها لأبيها، ولعبها بدماها، ورؤيتها القرآن عند والدها، ووفاته وحزنها وحزن الأهل عليه. ويصور حياتها الجديدة ووالدتها مع جدتها التي تذم دوماً أباها وقومه العرب والمسلمين، ولا تتبين الحقائق إلا أوائل شبابها.

ويعرض تفتح أنوثتها في المدرسة الإعدادية، وارتباطها عاطفياً بزميل في رحلة مدرسية، وتهاوي عظات أمها لديها. وتشمئز من صديقها ومجتمعها المنحرف بالغرائز، والمتهم للعرب والمسلمين بالتخلف لتمسكهم بالعفة والفضائل، وتدرك أسباب اضطرابها فتعود لتشارك أمها الحياة. وتدهسهما سيارة فتكسر رجلها وتموت أمها، وتعيش بحمى الذكريات في دار جدتها لأمها الثرثارة التي يزداد حقدها على المسلمين، لتلتحق بعد أداء امتحاناتها بدار جديها المسلمين، فتسعد بالعطلة معهما، وتتأثر بعبادة جدها وأخلاقه الإسلامية الكريمة، وتشاركه مطالعته كتبه، ويموت، فتحزن جداً، وتبحث عن النور في الأحلام واليقظة. وتلتقي بطالبة مسلمة بينما كانت تحضر للماجستير، فتعرفها بابن عمها فادي المهندس الأنيق المسلم، فيتحابان ويتزوجان ويرحلان إلى "دمشق" مع كتب جدها المسلم.

ويزوران في العطل "لندن" مدينة الضباب إحياءً لذكرياتهما الحلوة، وكانت قرأت كتاباً يتحدث عن الذوقيات في الإسلام، واهتمامه بالدنيا والآخرة معاً.



عادل فريحات



تنتمي هذه الرواية الأولى لصاحبتها "ناريمان غسان عثمان"، إلى صنف الروايات التي عالج فيها أصحابها موضوع الشرق والغرب، أو "الأنا والآخر"، فهي قريبة الشبه، من حيث الموضوع، برواية "قنديل أم هاشم" ل"يحيى حقي"، و"عصفور من الشرق" ل"توفيق الحكيم"، و"موسم الهجرة إلى الشمال" ل"لطيب صالح"، و"الطريق إلى الشمس" ل"عبد الكريم ناصيف".

وعنوانها "صدى من مدينة الضباب" يشي بذلك، فمدينة الضباب هي "لندن" عاصمة بريطانيا، أما صداها في نفس الذات الساردة، فهو مجموعة الذكريات التي راحت بطلتها "ليودميلا"، المولودة من أب مسلم، وأم مسيحية، ترويها لنا، مارة بطفولتها ويتمها ومراهقتها وزواجها من الشاب المسلم فادي، وانجابها لابنتيها سارة وسدرة، وارتحالها من "لندن" إلى "دمشق"، ثم بالعكس من "دمشق" إلى "لندن".

وتبدأ الرواية بسرد الأحداث من نهاياتها، ثم تكر إلى بداياتها على طريقة الفلاش باك السينمائية، فقد كانت ليودميلا تعيش في دمشق منذ خمسة وعشرين عاماً، وفي لحظة ما قامت بزيارة لندن بغية الاستجمام هناك، واستثماراً لهذه الزيارة أتاحت الكاتبة لشريط الذكريات التي اختزنته ليودميلا بأن يكر متتابعاً، في نطاق خيط سردي لاعقدة فيها ننتظر حلها، خيط سردي نقل إلينا بضمير المتكلم، إمعانا في حميمية القول، وجذباً للمتلقي ليصغي ويتفاعل.

ومن مزايا هذه الرواية عدم مجانيتها، فالكاتبة الشابة (ناريمان غسان عثمان) لها رؤية في مستقبل العرب والمسلمين، فهي تقول: "إن العرب المسلمين أجمعين مطالبون بالنجاح في المضمار العملي، بدلاً من الخنوع للغرب يعبث فيهم، مختبئين تحت أقنعة العبادة المغلوطة، فالنظام الذي يتبعونه لايكتفي بسد حاجاتهم الروحية، بل يطالبهم بتوازن بين الروح والعمل والفكر" ص 268.

والحق أن هذه الرواية قد أمتعتني، فقرأتها في جلستين اثنتين، خلال اثنتي عشرة ساعة فقط، وهذا يؤشر على مافيها من تشويق وجذب، وهما شرطان لابد منهما في أية رواية ناجحة. وربما كان أقوى المقاطع تأثيراً هو وصف موت الأب تامر بعيداً في باريس، فالكاتبة تقول على لسان الزوجة فيوليت، وقد بلغها موت زوجها في باريس مخاطبة صديق العائلة توماس: "توماس لم أسد حزاماً لمصابي هذا.. رحل تامر، سافر وأورثني الترمل وصغيرة يتيمة في الخامسة.. هل يعقل أن روح تامر التي عشقتها قد فارقته؟.

عودة