الصورة غير متوفرة

موقع الجمل

أنور محمد

رواية "صلصال" وقاحة اللقيط حين يجترح كرامة كل شيء



- "صلصال" للروائية السورية "سمر يزبك" رواية لا تجد العنف والقسوة والظلم.

بل تسعى الى اظهار جماليات النضال ، الذي صارت تنهار اركان صلابته الادراكية الحسية عند استاذ التاريخ العجوز وهو يرسم ، يقاوم صورة الخراب الذي آلت إليه البلاد على يد "علي حسن" بطل الرواية ، الولد اللقيط الذي يتسلق المناصب وهو يؤسس واحدة من اعتى الامبراطوريات المخابراتية المؤذية.

إذ تبدأ الرواية و"سحر النصور" تقود سيارتها بسرعة جنونية من "دمشق" الى "جبلة" ، فتدخل الغرفة الزرقاء ، توقظ زوجها "حيدر" في غفلة عن مخدومتهم "دلا" وزوجها "محمود" ، ثم تعود من "جبلة" الى "دمشق" بالسرعة الجنونية ذاتها وتنتهي الرواية.

وما بين هذين الزمنين نمسك "علي حسن" الولد الوقح كما يضعه والد "حيدر علي" ، الولد الأناني والقاسي الذي تربى على سفرة "حيدر" ، ولما انتسبا معاً الى الكلية العسكرية وتسلّق "علي حسن" المناصب حتى صار ما صار ، إذا به يتخذ من "سحر النصور" خليلة له ويزيح "حيدر علي" بن "ابراهيم بك" الاقطاعي الذي منحه الفرنسيون الأراضي هدية لما قدمه لهم من خدمات تمثلت في عمالته وتعاونه معهم ايام احتلالهم سوريا ، إذ كان يسلّم الثوار السوريين الذين كانوا يحاربون مع الشيخ "صالح العلي" للفرنسيين.

بل وينفيه "حسن" ينفي حيدر الى "جبلة" فيقتله بطريقة مخابراتية وكأنه يقتل حشرة وليس إنساناً.

- رواية تضعنا في جو الأشرار " العصابات" التي ترتكب الجرائم المفجعة بحق مواطنيها ، وكأن "سمر يزبك" تريد ان تقول ان من يحكموننا ليسوا فرساناً فهي تهاجمهم الى النهاية ، وانهم مهما صنعوا من شر زينوه بالخير ، فلن يكونوا أبطالاً منتصرين ، وبسرد تبلغ قوته انه يصنع لنا صورة بصرية ، وكأنها تسوق مشاهد فيها سينما/ مسرح ، عبر دفق من المشاعر نشوفه عند "دلا" خاصة والتي هي ضمير الرواية/ الراوية الذي لا يزال على فطرته.

وكأن "سمر يزبك" تصنع فيلماً سينمائياً انما فيه مسرح.

"سمر" في سردها هذا كادت تحوّل روايتها الى منبر وإن كانت رواية "رأي".

لكنها وهي تسرد كنّا نحس القسوة تسري في عواطفنا ، كأننا كما قلت في سينما/ مسرح ، فيبرد الرأي وتسخن المشاعر لتقنعنا بحجم الفاجعة الكارثة التي اوقعها "علي حسن وعناصره بنا .

فموت استاذ التاريخ العجوز على يدي احد عناصره "الرجل العملاق" ينتهي بتوبيخ شفهي من "علي" لل"رجل ، فيفلت صبر احد رجال القرية ، ويصف ما فعله العملاق بأستاذ التاريخ بالجريمة جريمة قتل متعمدة ، فيكاد ينفجر "علي حسن" ويتمنى لو يعيض هذا الرجل الذي فلت صبره وعبّر عن استيائه وغضبه لما يفعله هؤلاء العمالقة بأبناء وطنهم ، إذ كيف يتجرأ هذا المخلوق ويقول مثل هذا الرأي!!؟

"علي حسن" يصيِّر نفسه إنساناً فيريد ان يحزن على قتله موت "حيدر" علي واستاذ التاريخ الذي درّسه ، لكنه لا يستطيع الكذب وهو القاسي القلب ، فما ان يترحم على استاذه ويمشي حتى ينقض الناس على الرجل العملاق وينهالون عليه ضرباً وركلاً بأيديهم وارجلهم.

إن "سمر" هنا لا تريد سد ثقوب الطاغية التي احدثها في المنظومة الاخلاقية لمجتمعه هي تفتحها لتفرجينا ، لنشم روائح النتن والعفن ، ولكن ليس بسرد فج وقح ، بل بسرد واقعي تكتب فيه حلمها ، فتفرجينا عذوبة هذا الحلم.

بل صوفيته التي تنفر من الواقع وهي على خصومة مع فكره ، مع ايديولوجيته.

فالراوية "رهام" تريد أن تحافظ على الحب ، تحب وتناضل سياسياً والحب هنا يواجه اشخاصاً فظين ، وقحين ، مجرمين.

وهي تريدنا نسمع صهيله صهيل الحب!. وهذا ما يدفعنا للقول بأن الرواية أحداثها ملفوفة بخيوط مذهبة من البوح الشعري خاصة بعد مقتل "حيدر علي" ودفنه على يدي رفيق طفولته وصباه "علي حسن".

بوح كأنه صورة سينمائية تتولد منها حكايات ، حكاية من حكاية ، حكاية في حكاية ، وكأن "حيدر علي" ملاك فيموت بيد "علي حسن" ليحيا على أيدينا يد "سمر يزبك" ، فنرى عواطف خالصة ، شعوراً مباشراً وآنياً تضعنا "سمر" في مواجهة مع الفعل ورد الفعل.

صورة ثنائية: الحلم + الواقع ، الجهد + المقاومة ، الإثارة + الاستجابة.

"سمر يزبك" في روايتها هذه تريد لحادثتها الاسطورية عندما تسوقها حادثة فعل ان تحقق معنى ،مغزى خلقياً ، أخلاقياً.

"صلصال" لا تروي احداثا فحسب ، هي تقول رأيها ، تبدي دهشتها من كون الإنسان لا يزال ضحية قديمة جديدة ، لا يزال رأسه يتدحرج في الحروب التي يحددها ويشعل نارها "السلطان" في فراش النوم ، في الساحات العامة ، في المعتقلات ، في جبهات القتال.

قد نلمس انفعال "سمر يزبك" وهي تسرد روايتها لكننا نمسك تشددها في قول رأيها .

عفتها حتى الزهد ، فلا يغريها ولا يثنيها عن قوله شيء ،كأنها الناجية الوحيدة من المو ت، من الحلم بالحياة ، إنما مثل فارس حزين وإن هزم إنما لن يهزم .

عودة