سامي العباس



من أين لك كل هذا النبيذ ؟!

هل هو من مؤونة الوالد ؟

لا تنقزي سيدتي من ظلال يرخيها هذا السؤال على مذاق دنانك ..أرجو أن تمسح ثقتك بالنفس, غبشاً عن نوافذك , شّكله سؤالي البارد..قصيدتك "معطف أحمر فارغ " سحبتني من فنجان القهوة هذا الصباح ,وأسلمتني إلى عالم افتراضي ..عالم من الروبابيكا هطلت عليه القصيدة , فاغتسل من قبحه وبرق نظيفا تحت شمس مائلة ..

يا إلهي!!

لاشيء يعجز عنه الشعر ..في حضنه ولدت الأديان ثم أنكرته وشقت طريقها !! فلم يقنط .. تركها تؤوب إليه تصوفاً غربلها من زؤان السياسة ومخانق العقل وكلبية النفس البشرية ..لكنه وهو يطبطب على ظهرها ويمشط ضفائرها , جفل من اكتناز هنا واستدارة هناك ..لم تعد لأصابعه تلك البراءة..على هذا البرزخ بين الرغبة وتدجينها ولد العشق الإلهي ..

من الحلاج إلى ابن الفارض .ومن المنتجب العاني إلى المكزون السنجاري .ومن ابن عربي إلى حافظ الشيرازي. تحول البرزخ بيتاً للعائلة,ومسقط رأس ٍ لشعراء انجدلت فيهم النبوة والشعر, فسكرت من دنانهم الملائكة ..

سيدتي لو واربتْ قصيدتك الباب قليلا لسمحت لنفسي بالدخول ..لكني أخاف العودة من كنوزك بما ثقل وزنه وخف ثمنه . سأقف بحواسي الخمس ,في مهب الغوايات التي تسوقها قصيدتك " معطف أحمر فارغ "...أتلقط رزقي بنفس المزيج من الانهماك والذعر المميزين للعصافير .فالقصيدة سيدتي كالمرأة . ليس هناك أكثر بلاهة من محاولة شرحهما..مع ذلك ’يرتكب ذلك في طول مدارسنا وعرضها ..ويتعلم طلبتنا كيف يصبحون ثقلاء المستقبل , تتقدمهم سماجتهم إلى اللوحة أو القصيدة أو العشيقة .وتفر من أمامهم المسرة أينما تقاطعت دروبهم معها ..سأنحي من أجل قصيدتك عقلي ,وأترك لأصابعي تلمس معطفك الأحمر ..ليس فارغا تماما كما تختمين ..مازال عطرك يدّوم فيه رغم أن الشام تجر ذيلا منه متراقصا كخصلة لهيب نحو الجنوب ..يا لهذا الجنوب الذي يسحبنا باتجاهه!!أيسحبنا أم ننسحب إليه ,تاركين خلفنا « بقايا عتاد تشير الى طريق الهزيمة، فقط الأغاني التي غنيناها، التي لا أحلى ولا أجمل / استمرت من دوننا تداوي أسى العالم» . نعم .بالشعر سنداوي أسى العالم .فكيف إذا تدفق ممن تربعت على بضعة آلاف سنة تفلّي هزيمتها.

" الأرصفة تخفي خطوات العابرين

شرفات المنازل ذاهلة عما وراءها ‏

دوران قلق للساحات الحجرية ‏

الضباب بدأ يعجن نفسه ‏

كل ما حولي محوط بالارتباك ‏

ومتلاصق كحجارة سيل ‏

بلا مجرى"

‏هو الشعر إن سجنته الحروف تمطى كشمشون كي تنكسر

أيصمت من ولدته الرياح على الصخر في البحر تحت الشجر

هو الشعر ..الذي أنطق كلبا في رواية سول بيلو :ديسمبر العميد " حبا بالله , افتحوا الكون أكثر قليلاً

"رشا عمران" ,شاعرة وجدت مكانها في ورشة توسيع الكون .

عودة