"عودة جبران ".. دعوة للتآلف والمحبة

عمار المير سليم



صفحة من القطع الوسط ، بناها الكاتب "خالد المير محمود" فيما تجلّى واضحاً على نظرية النشوء والارتقاء.

حيث يمنحنا خيط فلسفة روايته في أكثر من موضوع ، ولكي تتضح هذه الحيثية التي تعتبر العمود الفقري في الرواية وضع الكاتب رمزها واضحاً على الغلاف: "لالم أقل كلمتي بعد ولم يظهر من هذه الشعلة غير الدخان.. أقول لك يا ميّ ولا أقول لسواكِ إني إذا ما انصرفت قبل تهجئة كلمتي ولفظها، فإني سأعودلأقول الكلمة التي تتمايل الآن كالضباب في سكينة روحي ".

هذا المقطع من رسالة "جبران خليل جبران" أرسلها ل"ميّ زيادة".

حمل الفصل الأول عنوان "مولد جبران "وفي الحقيقة إنما تحدث عن مولد بطل روايته "حمدان " جبران العائد، لكنه أتحفنا بما لم نكن نتوقع فقد تحدث بلسان "جبران خليل جبران" وهو على فراش الموت حيث يستعيد بعض رؤاه التي تجسد حقيقة وحدة الأديان بمنظار العباقرة والمستنيرين يقول الكاتب على لسان "جبران":

" ليس هذا فحسب ، بل كثيراً ما جرّحني عشقي للناصري يسوع إلى ذلك التساؤل الخطير إلهي عيسى أم محمد أيهما أعظم لديك؟؟" .

ثم نجد أنفسنا مع "حمدان" الوليد الذي يحمل بين طيّاته نفس "جبران" وروحه وعذاباته هو الآخر وتأملاته لنجد أنفسنا مع بدء عملية النشوء والارتقاء حيث يتلمس "حمدان " حقيقته وأنه ليس إلا استمراراً لجبران ، علاقات اجتماعية ونفسية وأسرية متشابكة تتجلى بمرض"حليمة الشير " والدة "حمدان" الناجم عن الضغوط الاجتماعية والأعراف والتقاليد ورضوخ المثقف والمتعلم للجاهل ملمّحاً لهذا الخطر الذي تتسع دائرته ليصيب المجتمع بدوائره الأوسع ملقياً اللوم كل اللوم على هذه الانعكاسية الخاطئة التي تسير بنا نحو الانحطاط والإرباك والتعثر الحضاري والإنساني.

ثم تجدنا مذهولين أمام رحلة "حمدان"جبران العائد تلك الرحلة الطقسية الموفقة والرائعة وهي الفصل السابع

من الرواية "جبران في الحج " حيث يسبر الكاتب ببصيرة نافذة كل معاني الحج مارّاً بنا على جميع مراحل ذلك الطقس التعبّدي حيث يلتقط بعدسة الإنسان المبدع ما لا يمكن أن ينتبه إليه الآخرون فنقف مذهولين مما يكشفه لنا بمصداقية تجعلنا نشعر بالأسى على هذه الأمة ومايحاك لها … ونصل معاً إلى إحساس"حمدان " بضرورة العودة حيث يجد من الإرهاصات والضغوط ما يدفعه للعودة إلى الوطن.. في الفصل الأخير "جبران يلتقي بميّ " نجد حمدان في خضم هذه المعمعة القاتلة يجد "ميّ" وهي فتاة يرى فيها نفس ميّ زيادة كما يرى في نفسه

"جبران خليل جبران".

يدور بين "حمدان" و"ميّ " حديث معرفي فيه الحكمة والفلسفة، حيث يسوق الكاتب على لسان بطله "حمدان "

قصصاً فلسفية.

الرواية جديرة بالقراءة المعمقة إضافة إلى أفكارها الفلسفية الراقية تمتاز بالقدرة على الإقناع وشدّ القارئ حتى

النهاية بأسلوبها الرشيق ، ففيها الكثير من التعابير الجديدة والألفاظ العذبة.

عودة