بيدر حبٍّ قِصَصٌ.. متواشجة بين المكان والزمان قرأتها باتجاهيّة الماء والرؤى الصَّوريّة

الوحدة

ثقافة

الثلاثاء 27/1/2009

مالك الرفاعي



-1- تفاجئيات أديبنا الناقد والكاتب الشاعر "وفيق خنسة"... غيرُ مقيدةٍ بزمانٍ ومكانٍ.. وغير محكومةٍ بفنٍّ بذاتهِ أو حكمٍ نقديٍّ بعينهِ.. وهو قابلٌ للإبداع أينما قرأتهُ ورأيته.. -2- منذ أشهرٍ أهداني كتاباً شعرياً (محكياً) يحملُ فيهِ صور الريف الأولى, ومبتكرات خيالهِ المجنّح.. وعواطفَه الباسمة.. -3- أما اليوم فيطلعُ علينا بمجموعتين قِصَصَّتينِ متباعدتين في مضامينيهما



وعنوانيهما.. الأولى (حقول الدم) عن دار الينابيع بدمشق والثانية (بيدر حب) عن وزارة الثقافة.. وهذه القرأتُها للتوِّ.. بِحُبِّيتها وغِلالها.. سأقفُ معَ كلِّ إيماءةٍ منها باتجاهيِّة مائيةٍ صوب المعنى المشاد أو الرؤية الصَّورية.. كما أراها من جوانيِّتها الوفيقيّة.. -4- ((بيدر حبٍّ)).. المكان.. بيدرُ القرية.. الزمان.. سبعونَ سنةً إلاَّ ستةَ عشرةَ عاماً.. الأحداث: حكايةُ حبٍّ عاطفيٍّ عذري شفيف بدأَ بلقاءِ ليلةٍ على فراش السنابل اليابسة.. لكن بقداسةِ الحبِّ السَّماويِّ.. وانتهى على عكَّازةِ الغبارِ.. -5- ((ذاكرة من تعب)) تمثِّلُ رحلةَ إنسانٍ ما.. في مكانٍ ما.. نَسيَ اسم المدينة.. والأهل.. والأصدقاء.. وإلى أينَ سيذهب.. وأين يقف؟.. أخذتهُ خطاهُ إلى هناك.. كيف.. لا يدري!.. رنَّ هاتفهُ النقال.. سألَ من يبكي..؟.. ولمرّاتٍ عشرٍ.. لم يستطع أن يتذكر.. ويسأل من يتكلم.. حتى ضاع بغيرِ هدىً.. وكان عليَّ أن أوجز فأقول: تمثّل رحلة الإنسان الذي يسير بلا تعب كما قلتُ ذاتَ إيماءةٍ: لا تَعْتَبَنَّ فإنَّ الدَّهرَ يُتْعِبُنا وأتْعبُ الناسِ مَنْ يمشي بلا تَعَبِ -6- ((أذنانِ من رملِ)) وهذه روايةٌ لها أوّلٌ وليسَ لها آخرٌ غارقةٌ في التآويل والمتخفيَّات من رأسِ أوّلِ كلمةٍ إلى أخمصِ آخرِ حَرفٍ.. تظهرُ فيها قدرةُ أديبنا على التصوير الماورائي لغرائبيَّةِ الإنسان والزمان معاً. -7- ((امرأة على الدرج)).. هذه القصة (طوكيّويّة) الرؤى (يابانية) التفاصيل.. هذا إذا علمنا أن الأستاذ وفيق خنسة درَّس سنواتٍ عدةٍ في جامعة (طوكيو) ينقل إلينا بعدستهِ الفوق البنفسجية.. صوراً متحرِّكةً لأناسٍ ساكنين.. وبين الحركةِ والسكون.. (شؤون وشجون) .. وقلوبٌ وعيونٌ.. شرقيّة وغربيّة.. فما أجملَ الامتزاج.؟! -8- ((الطَّعنة)).. تراءت لي هذه القصة من عنوانها.. أيْ الطَّعن المستمرُّ في التاريخِ الإنسانيِّ.. المتعمَّد والمبرمج وفق الطبائع البشرية وشوائبها..! -9- ((رجلٌ من سعالٍ)) وإن كانت خيالية في اقترابيَّتها فإنها واقعيةٌ ابتعاديَّتِها.. وما رموز الأسماء.. إلاَّ علامات ماثلة على مسراها ومجراها ولعلَّ القراءةَ الهادئة تكشفُ فيها تواشج مَعَ سَمعِّياتِنا ومشاهداتنا.. -10- ((وقت من سيرة ومقهى)) ذكرني الأديب خنسة بالحالِ إياها حيثُ كانت تراودني نفسي بينَ القصيدة والقصيدة أن أجالسَ وحشتي في مقهى وحيد في اللاذقية ((السويس)) وقد أغلق من قبل رأس السَّنة لعلَّ صاحبَه قد انتقل إلى العالم الآخر.. في هذه القصة.. تتوارف السَّيرورةُ متوارقة الأسرار والأفكار. حالَ كلِّ عبارةٍ, وآنَ كلِّ صورةٍ.. لتشكلَ لوحةً يوميةً لما نتعايشُ معهُ في أحياءِ مدينتنا اللاذقية.. من أسماء أماكن وأناس وأشكال وجوهٍ معروفة.. وحوادث موصوفة. -11- ((الرَّغبةُ الغامضة)) تتجلى كالحقيقة الأولى حيث تبدَّت عاريةً فَرُفِضت كما في الاسطورة.. ولا أدري لماذا تتوافد لغة التعري في تضاعيفِ قِصّصِ كاتبنا وهو المحتشم أبداً؟! وتجري أحداث هذه القصة بمفرداتها وأدواتها بما يتشابه معَ القصةِ الأولى (بيدر حب)) لولا أنَّ الأولى عذريّةَ الغاية. والأخيرة غريزيّةُ الهدف.! -12- ((وكالة خاصة غير قابلة للعزل)).. في هذه القصة سأكتفي بنقل كلمات مائية بهندستها الجميلة.. هروباً من الحكي عن المداخلات والمطارحات الوفيقيّة الصريحة حدَّ المجون..! ((ظلام الرمال المجمرة المشتعلة في كيانهِ أقامت كفُّهُ في كفّها دفقَ ماؤهُ كالصاعقة أسئلة تتوالد كنهر مجنون لا يكفُّ عن الثرثرة صندوق أوراقهِ الحميمية احتلَّتهُ صورتانِ متداخلتان كانَ الموظفون الرسميونَ في أسرَّتِهم. وفي هذا الهروب.. لي مأربٌ آخر حيث إتيان هذه الكلمات العاطرة تطالب كاتبنا الذي كتب كلَّ أطياف الأدب وبقيت الرواية وحدَها بانتظاره. -13- أما القصص.. ((حسام وليلى والغدد الصمّ يوميات سائق تكسي ارجوحة انتظار حديقة زكي الأرسوزي ضباب حول مقبرة حكايات غير عابرة: صنوبرة, فانوس, عشق, نشوة, مذاق العنب)).. فاختصرها بقصّة عشق: قلْ لها: يا إياس.. سقطت نجمةٌ عاشقَهْ واعتراها اليباس.. وختام الكلام: لن تستطيع أن تستقرئ إيماضات المبدع وفيق خنسة إلاَّ بمعناهُ ورؤاهُ..‏

عودة