سيرة الحب

بقلم: عوض سعود عوض

هل يعرف أحدكم أن الحب الحقيقي إذا دخل القلب لا يخرج منه، خاصة إذا كان الطرفان صادقين؟ فلكل المحبين وردة عبقة!

كم هي اللحظات رائعة مع تناجي حبيبين يشعران أن الكون ملكهما، وأن كل جميل يبتسم لهما، حتى إن البشاعة تختفي، ولا يعود لها مجال، الأرصفة، إشارات المرور، الطرق، البساتين كلها خضراء. وأم كلثوم تنشد (سيرة الحب)، وكل المطربين والفنانين والأدباء الذين كتبوا عن الحب ينشدون معها. منهم من مجّده، ومنهم من رآه مضيعة للوقت، لأن الزمن ليس زمن حب. وأنا أقول لهؤلاء، كل الأزمنة هي أزمنة حب، وكل الأوقات صالحة للحب، فإذا كان حبيبان أحدهما وقع في مشكلة أو ما شابه ذلك، فلا شيء يخفف عنه العناء سوى الحبيب. ومن لم يذق طعم الحب أشبه بمن يعيش وسط الأدغال، أو وسط أناس مجرمين. الحب ينقي النفس والحبيبة تعتز لأن ثمة من يفكر بها. وهو يفخر برجولته لأن امرأة ما تحبه، وترى الدنيا من خلاله. حتى الكلام العادي الذي تقوله له يصير جميلاً، لأنه موجود في كل خلية من جسدها.

ما شدّني لهذا الموضوع زميلي الأديب خطيب بدلة، الكاتب القصصي الساخر. فقد قلب موازين (سيرة الحب) وغدا يبيع كما تقول الأغنية الشعبية (كسر الميزان وباع مشايله). إن تعلقه بالواقع جعله يكتب حكايات إدلبية، عددتُ الحكايات فكانت أربعين حكاية. إنها سيرة أناس من قاع المجتمع، من صميم الواقع، أو لها ما يماثلها في الواقع. واستطاع الكاتب أن يشدّنا من بداية الحكايات إلى نهايتها. وهي حكايات غير مطبوعة حتى الآن في كتاب، ولم أحصل عليها مباشرة من الزميل، بل العصافير الإدلبية حكتها لي. وعلى سيرة العصافير أقول: في المحافظات السورية باستثناء إدلب ينقل الحمام الزاجل الحكايات، أما في إدلب فقد ربوا طيوراً جميلة مطيعة مغردة وأودعوها أجمل حكايا الحب.

ومنها سيرة الحب هذه، التي نقلها لي كناري، فقد ارتفع حتى تخلص من جاذبية محافظة إدلب وصولاً إلى ريف دمشق، ليلقي على شرفة بيتي مخطوطاً بقلم خطيب بدلة. كم سعدت به! ولولا أن الكناري طلب إعادتها في اليوم الثاني، لاحتفظت بها في مكتبتي، فهي من الأشياء الثمينة التي يحرص الإنسان على اقتنائها. في صباح اليوم الثاني، كان الكناري بانتظار الرحيل بها شمالاً، ولا أعرف هل أوصلها، أم أنها ضاعت عند حدود محافظة "حمص".

حكت المخطوطة عن شخص اسمه "نبيه"، الذي يختلف اسمه عن تصرفه وحقيقته، فهو أغبى شخصية في إحدى قرى إدلب، ولكي تتخلص أمه منه بضع ساعات، سجلته في المدرسة. ومن لا يعرف نبيهاً، أقول إنه شخص مشاكس يمتلك جثة ضخمة غبي، عمل مجموعة من الأفلام والمقالب، وكان آخرها في المدرسة، عندما قرر ترك المدرسة، (طعج) حقيبة كتبه القصديرية، رمى كتبه، أما الحقيبة فتصورها آلة تصوير، وبدأ يأخذ صوراً تذكارية لزملائه، عن طريق قذفهم بالحقيبة، مما أثار شغباً ولغطاً ونواحاً، استدعى خروج المدير إلى الباحة، عندئذ أراد نبيه أن يأخذ صورة بانورامية للمدير، فهرب المدير وشمع الخيط، وأغلق باب الإدارة على ذاته، أما معاملته لأمه، فقد طلب منها أن تعمل له أكلة معينة، يلزمها أن تحضر طحيناً من السقيفة، وضع لها السلم، وتركها حتى تصعد إلى السقيفة، أبعد السلم، ولم يلتفت إلى توسلات أمه، طالبها أن تظل حيث هي، وخرج من البيت.

صدقني أيها القاص الذي يكتب بشكل صحيح وجميل ومفرح، أنك تتحفنا دائماً بكل جديد. قد يحسدني القراء لأنني قرأت هذه السيرة قبلهم، ولكم أن تترقبوها، وعلى ما أعتقد بعد هذه الكلمات المنداة بعطر ريف دمشق، سيعجل زميلنا بطباعتها قبل أن نغير رأينا فيها!

عودة