قاموس الفساد



* تأليف: رسمي شناعة

* الناشر: دار إنانا دمشق 2007

* الصفحة : 170 صفحة

* القطع: المتوسط



مع أن كتاب «قاموس الفساد» ينتمي إلى الدراسات الفكرية النظرية إلا أننا نستطيع أن نقول بأنه كتاب طريف وممتع، فبما أن الفساد مفهوم ذو طيف واسع وغير قابل للتعريف والإحاطة به بدقة، فقد سعى مؤلفه رسمي شناعة إلى إيجاد أكبر عدد ممكن من الأمثلة والاستشهادات التي تمتد من أقدم العصور، وتكاد لا تنتهي مع وصولنا إلى العصر الحديث، بل إنها ما تنفك تتشابك وتتعقد، ويزداد فيها الطين بلة يوماً بعد يوم.

ولا شك أن النفاق هو من أهم مظاهر الفساد الاجتماعي والسياسي، والفاروق عمر بن الخطاب كان يخاف على أمته من منافق ذلق اللسان، كلامه لا يتجاوز حدود لسانه، كاذب إذا حدث، وخبيث إذا اقترب، إذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.

ويصف "مارون عبود" المنافقين بأن كل واحد منهم يتظاهر بأنه الأكثر وفاء وإخلاصاً لصاحب المنصب، يتمنى أن ينام على بابه ليكون رهن إشارته ليلاً ونهاراً، يعرف متى استيقظ من نومه، ومتى تمطى، ومتى دخل الحمام ليقضي حاجته، إذا نجح ابنه في امتحان هلل له وكبر، وإذا توفي له عزيز اكفهر واسودت الدنيا في ناظره، وشرع يبكي ويندب حظه العاثر، وإذا حك مؤخرته سارع لنظم بيتين من الشعر بهذه المناسبة العظيمة كقوله:

حك العظيم اليوم أسفل ظهره

بأظافرٍ ظفرتْ بكل مُؤَمَّلِ

فالناس بين مزغرد ومرتلٍ

ومصفق ومزمر ومُطَبِّلِ

وأما الشاعر الأميركي "والت ويتمان" فيذهب إلى أننا نتعلم أفضل الدروس من الذين ينتقدوننا، لا من الذين يمتدحوننا، فالمديح برأيه نفاق يؤدي إلى توريط وتضليل. ويبدو أن الفساد من الظواهر القديمة التي ترافقت مع ظهور المجتمعات الإنسانية، فحمورابي كان يعتبره آفة المجتمع.

وقد أشار في المادة السادسة من شريعته إلى جريمة الرشوة وشدد على إحضار المتهم إليه ليقاضيه بنفسه، وكونفوشيوس رد أسباب الحروب إلى فساد الحكم، وقال بأن الحكم لا يصلح إلا بالأشخاص الصالحين.

وتطرق "أفلاطون" في كتابه «الجمهورية» إلى ظاهرة الفساد مشيراً إلى أن العدالة تستبعد كل منفعة شخصية ويقول: إن حب الثروة وحب الجاه هي من أسباب الفساد، فصاحب الثروة هو السيد المطاع، والفقير- في نظر أهل الفساد- هو الحقير المرتذل.

ومن أنماط الفساد الشائعة: الرشوة المباشرة من أجل الحصول على مزايا أو التخلص من التزام مستحق أو إبعاد ضرر. تقاضي عمولة مقابل توقيع صفقة لدى مؤسسة أو دائرة. الغش والتدليس من أجل تسيير معاملة على حساب المصلحة العامة. التستر على المخالفات التي تضر بالمجتمع إكراماً لعين مسؤول متنفذ. ابتزاز أصحاب المعاملات وتخويفهم بقصد دفع إكرامية للموظف. ممارسة المحاباة من منطق طائفي أو قبلي أو عنصري، وهذا بدوره يذكي روح الحقد والعداء في نفوس الناس ويشق الروح الوطنية، ويؤدي إلى هجرة العلماء والخبراء والمثقفين خارج الوطن بعد أن يكفروا بأوطانهم.

من تجليات الفساد الساطعة الواسطة، وتهريب المواد الغذائية إلى الدول المجاورة، وكذلك التهرب الضريبي، عدا عن عشرات المعامل والورش غير المصرح بها أمام الدوائر المالية. من هذا كله يبدو القضاء على الفساد ومحاصرته شبه مستحيل، وبالأخص في الأنظمة التي تقمع الرأي المخالف، وإن كانت هذه الأنظمة قد سمحت بنشر بعض أخبار الفساد في صحفها في السنوات الأخيرة فقد بدا ذلك، مع استمرار ظواهر الفساد وحماية الفاسدين، نوعاً من التنفيث لا أكثر.

ولكن الأمر يأخذ منحى مغايراً لمفهوم التنفيس حينما يقف رئيس الجمهورية نفسه خطيباً في الناس ويحدثهم عن الفساد بصريح العبارة، كما فعل عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 إذ قال: إن دولتنا مريضة بالفساد بإدارتها، وإن المحاباة والمحسوبية والتعسف والتسلط والامتيازات منتشرة في كل مكان، دولتنا مريضة بتبذير الأموال والموارد العامة التي يتم نهبها بلا رادع.

لقد فكك الفساد وألغى القيم الأخلاقية وأزال من الوجود مفاهيم النزاهة، مما ولد عندنا ظاهرة الإرهاب البشعة كنتيجة طبيعية للتراكمات المختزنة في أوساط الجماهير.يقول عالم الاجتماع روزيندايا: لا يمكن للفساد أن ينمو ويتوسع من دون تسامح القيادة السياسية.

ويضرب مثالاً حياً عن حكومة ماركوس في الفيليبين قائلاً: على الرغم من الفساد المتفشي في قمة حكومة ماركوس فعندما شعر بالخطر الشديد تحرك ليخفف من حدة الفساد فعين قاضياً معروفاً بنزاهته ومناهضته للفساد، وعندما بدأ هذا القاضي بمعاقبة كبار المسؤولين الفاسدين في الدولة أيده ماركوس لأنه وازن بين الخطر على سلطته بسبب الفساد وبين السكوت عن معاونيه، ففضل النجاة، وضحى بأقرب المقربين إليه.

التدمير المنظم للأخلاق

ينطوي الفساد في العصور الحديثة على تدمير منظم لأخلاق الشعب وإنهاك لقدرات المجتمع الاقتصادية وإعاقة لتطوره، وفي ظل الفساد يزول مبدأ تكافؤ الفرص وينتشر الهدر، واختلاس المال العام، والمحسوبية، والمحاباة، والتزوير، والكذب، وإخفاء الوثائق، وتهريب الثروات الوطنية، وحينما يتعرض الفاسد لمساءلة قانونية أو يجد نفسه أمام دعوى قضائية فإنه يجد دائماً من يحميه و(يلفلف) قضيته ويخرجه منها كما تخرج الشعرة من العجين.

نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية

عرض/ خطيب بدلة

عودة