«أحلامك سرقت، آمالك سلبت، أيامك اختلست، وأنا لك بالمرصاد.. إن كنت تجهلني فأنا الزمن».. هذا مقطع من قصة قصيرة للكاتبة «سعاد مهنا مكارم» في مجموعتها القصصية الجديدة «عزفٌ على الآهات».

سعاد في هذه المجموعة هي ناقدة أكثر منها قاصّة، فهي في كلِّ قصة تحاول تسليط الضوء على مشكلةٍ ما.. وجهٌ اجتماعي خاطئ، وقد تتدخل كثيراً في توجيه خيوط القصة، والضغط على سردية جملها حتى تصل إلى إبراز الفكرة التي تريد، جاعلةً من قصصها ومضات ناقدة أشبه بالنصائح، قائلة للمتلقي «انتبه» يوجد مشكلة في النقطة الفلانية أو في الفكرة الفلانية، وأحياناً كثيرة تجد لديها محاولاتٍ سخرية من تلك الأفكار التي تراها خاطئة، أو تلوح بأنَّها خاطئة، وربما هي محاولة تفريغ شحنات جراء كتب ما تجاه مشكلة ما أو عدّة مشكلات، وربما هذا شأن كلُ كاتبٍ يتمنى أن يرى الحياة تسير بوجهٍ مثالي، ولكنه يصطدم بالواقع فيضطر للهروب إلى قلمه وأحرفه التي يحمّلها فيضاً من همومه اللامتناهية.

ويظهر ذلك في مقدمتها للمجموعة من خلال بعض الجمل: «أصاب البشر تلوّثٌ أخلاقي عجز أمهر الأطباء عن علاجه»، وفي جملةٍ أخرى: «لعل حامل الحرف مثقلٌ بحمولته»، وفي أخرى أيضاً: «حلّق بنا أيها الحرف فأنت جناح الفكر»، وكما هو واضح من العنوان «عزفٌ.. على الآهات» هذا العنوان الذي يُعتبر الحامل التعبيري العام والرابط الأساسي والمحوري لكل قصص المجموعة، فكل قصة من قصص المجموعة تعزف فيه على وتر مشكلة، أو فيها انتقادٌ لفكرة ما، أو لسلوكٍ ما، وكلها عبارة عن آهاتٍ أطلقتها الكاتبة من خلال تلك القصص، وأيضاً من جانبٍ آخر نرى موضوع الزمن كعاملٍ جائر يحضر بقوة في الكثير من نصوص المجموعة، وكانت تستخدم هذا المصطلح بكلِّ أبعاده، إما ببعده المرحلي الذي يُشير إلى الحاضر مثلاً كما في «وصية» و«سر التحول»، وإما ببعده المجازي الذي يُشير إلى المصائب والأهوال كما في «لص» و«لحن الأمل المفقود»، وحتى التنويه إليه كعامل مفارقة ومقارنة كما في «حكاية كتاب»، و«ندم»، و«عولمة» ومنها ما يحمل أكثر من بعد كما في «لوحة عشق سرمدية»، و«حكاية وفا».

بشكلٍ عام كان أسلوب سعاد نوعاً ما ساخراً ولكن هذه السخرية تنوعت ما بين النقد الذي يُشبه إطلاق الصرخة المخنوقة، وبعضه كان فكاهياً هازئاً، وبعضه كان تراجيدياً حزيناً، ولكن بالنهاية كانت القصص عبارة عن نصوصٍ امتد حجمها ما بين القصة القصيرة جداً «الومضة»، والقصة القصيرة حاولت الكاتبة من خلالها أن تبوح ببعض أوجاعها وهمومها، فلم تجد أمامها أفضل من الحرف الذي كان الصديق الأمثل لتُلقي ذلك البوح، وربما بالفعل شال عن الكاتبة بعضاً من ثقل هذه الهموم والأوجاع.

سمير المحمود

تشرين

عودة