اليوم أنظر إلى مسرحنا متأسفاً بعد هبوب مسرح الابتذال السياسي، وانحسار المسرح القومي وانسحابه من التنافس، فأجد أن أسفي ليس بمحله لأن ظاهرة اقتحام المسرح من قبل بعض الشباب السوري يعطي بريقاً من الأمل بتكوين مسرح سوري جديد خارج ابتذال المسرح التجاري وانسحاب المسرح القومي وحياديته وبيروقراطيته، وهذه الحالة الشبابية ما كان لها أن تتشكل لولا تكسير بعض المسرحيين السابقين بقليل لحاجز الرهاب من المسرح، ومن هؤلاء "عبد المنعم عمايري" الذي أوحى عبر مسرحيتيه "صدى" و "فوضى" بإمكانية العودة لمتابعة ما بدأه "أبو خليل القباني" و"يعقوب أبو غزالة" و"عبد اللطيف فتحي" و"نهاد قلعي" و"دريد لحام" و"سعد الله ونوس" و"فواز الساجر" و"جواد الأسدي" و"وليد قوتلي" و"غسان مسعود" و"جهاد سعد" و"فايز قزق" و"بسام كوسا" و"نعمان جود" و"أحمد معلا" و"جمال سليمان" و"زيناتي قدسية" و"أديب خير" و"حكيم مرزوقي" و"باسم قهّار" وآخرون كثر قدموا بنسب متفاوتة ما يشكل صورة للمسرح السوري، إلا أن الوضع البيروقراطي الذي كانت تعاني منه مديرية المسارح والموسيقى، وغياب المنتج المسرحي المتطور بالإضافة إلى الوضع المادي السيئ لمعظم الفنانين الناشئين ساهمت بإبعاد الشباب عن المسرح.

إلا أن بروز اسم "عبد المنعم عمايري" على خارطة المسرح بداية الألفية عبر مسرحية "صدى" التي ألفها وأخرجها ولعب "غسان مسعود"، " أستاذه " الدور الرئيسي فيها وتلاها بمسرحية "فوضى"، غيّر الفكرة عند الشباب وأحسوا بأن إمكانية التواصل مع المسرح بشكل حديث ومتطور باتت ممكنة، خاصة وأن المسرحيتين كانتا من إنتاج المسرح القومي، كما أنهما عادتا بجوائز كثيرة من مهرجانات هامة مثل مهرجاني قرطاج والقاهرة مما أعاد الثقة بالنفس إلى الكثير من المسرحيين السوريين الشباب ومنحهم أيضاً الطموح والأمل .

لم يتحدث "العمايري" في مسرحيتيه عن قضايا كبرى أو هموم كونية، بل كان قريباً من النفس البشرية المفردة التي تعيش في مجتمعنا، وناقش في مسرحيتيه أفكاراً كثيرة تهم الشباب السوري على لسان شخوصه، والأهم من ذلك أن الإقبال الجماهيري كان متميزاً وكثيفاً ربما كإثبات من الجمهور أنه لم ينصرف عن المسرح لكن المسرح هو الذي انصرف عنه، وأن "عبد المنعم عمايري" استطاع أن يستعيد جزءاً من الجمهور الذواق المتعطش للفن الحقيقي.

لكن لماذا ينشغل "عمايري" بالمسرح وهو المطلوب تلفزيونياً على الدوام بعد أن حقق شعبية واسعة عبره، ربما لأنه أصر على عشقه للمسرح، لم يتلذذ بفخي الشهرة والحياة الميسورة بل بقي يعيش كما هو عاشقاً للمسرح ومنشغلاً به كل يوم.



"لقمان ديركي"

عودة