موقع الجمل



الشاعرة "سونيا سليمان" أصدرت ديوانها الشعري الأول بعنوان "كأننا لم نلتق .. كأننا لم نفترق" وتتحدث فيه عن الحب والفرح والخيبة والأحلام المكسورة، متخذة شكل قصيدة النثر كأسلوب للتعبير عن نفسها وأفكارها وتطلعاتها وأحلامها.

تقول إحدى الناقدات عن نتاج سونيا سليمان "قد تكفي قراءات قليلة لعدد من النتاجات الشعرية لأقلام تجمعها صفة العصرنة "لا كمصطلح نقدي بل كتعبيرعن التواجد في العصر" لتمييز صفة النفسانية كأكثر ما يتسم به هذا النتاج،هذا ما يبدو طبيعياً في ظل حركة التحرر الشكلّي التي أطلقها الشعر الحديث مسوّغاً النثرية وفاتحاً المجال أمام مضمون النص الشعرّي - خاصة بعد أن تحرر من وظائف اجتماعية وأخلاقية كانت مناطة به فيما مضى- ليلج مناطق داخلية لا تعنى إلا بسبر الأغوار الجوانية للشاعر نفسه، من بين هذه الأصوات الذاتية الجديدة نجد الشاعرة "سونيا سليمان" تجتهد في خلق نص ربما هو من الأكثر نفسانية على ساحة الشعر السوري الحديث"

وتتابع الناقدة: "لعل أكثر ما يمكننا تمييزه عند قراءة المؤلف الشعري "كأننا لم نلتق" للشاعرة هو ذلك الاقتراب الشديد الشبه لطبيعة قصيدتها من طبيعة إنسان هذا العصر الذي بدأ يخرج من قوقعته الذاتية لينفتح على كل ما يوفره عالم التكنولوجيا الافتراضي من قنوات تسمح بإطلاق هذه الذات خارجاً فيغدو أكثر حرية في التعبير عن نفسه بل وأكثر قدرة على التعبير عنها غير آبه بكشف أسرارها أو بالأحرى تعريتها، فقصيدتها التي تتخذ من الحرية والانفتاح شعاراً لها كإنسان اليوم تتمتع إضافةً إلى جرأتها الواضحة، قدرة عالية على اصطياد اللحظة الشعورية وتوثيقها ما يهيئ للقبض على فسحات لا واعية داخل النفس الإنسانية، ولعل أكثر ما يعني هكذا قصيدة هو التعبير عن نفسها لذا فإن المبنى الشعري الذي يبدو ركيكاً ويفتقر إلى الانسجام ظاهرياً في معظم قصائدها ما هو إلا مجازفة بالشكل الذي تبدو غير آبهة به بقصد إظهار المضمون الأقدر على نقل الإحساس أو الفكرة المناط بالقصيدة إيصاله".

وقد اختارت مجموعة مقاطع للشاعرة كدليل على ما تقول، منها المقطع التالي: "ماذا يعني أن يكون وجهكِ آخر الكلام / ورنين صوتكِ أول قبس يضيء العتمة....؟ / هل كان علي أن أوقظكِ من رقادك الأبدي / في كل مرة أشتاقُكِ فيها....؟ / ماذا يعني أن تولدَ كبيراً....؟ / قلت لي ذات مطر و..... مضيتِ حافيةً / أنحو البنفسج اخترت خطاكِ / أم هو حنين النرجس إلى الشتاء....؟ / ها أنا أستميحكِ بأن / أفرش العتب لتستفيض الجراح... / وأحفر في بئر الذاكرة / لأنبشَ صورتكِ الأولى. / قلتُ لكِ ذات طفولةٍ انتظري....! / ربما غداً تهبُّ الحياة... / لكن خوفكِ من ألا تبقي شيئاً / كان أثقل... / كنتُ أستجديكِ بألاّ تموتي / خارج أسوار طفولتي. / كي لا أتركَ شرائطي المدرسية / ومريولتي هكذا دون جدار.../لو استطعتُ أن أحوّل نبضكِ إلى كلمات/وأصيغكِ أول الحروف من كل قصيدة أكتُب../ لو أستطيعُ أن أنتزع بريق وجهكِ الأخير/ وأجذبكِ من ذيل فستانك الطويل/ وأتدفأ بك قليلاً تحت صوت المطر../ لتفكّين لي ضفائري التي نسيتِ مرةً/ أن تربطيها بشريطةٍ حمراء.. / كنتُ كبرتُ داخل حدود ذراعيك/ وما عرّشتُ على حائط الجيران / لأسمعَ أغنية تئنّ باسمكِ، أرتق بها القلب/ وتنبحُ عليّ كلاب الطريق.../ فإنا لا أملك من حاضري إلاّكِ .

ولما كانت الشاعرة، تتابع الناقدة، غالبا ما تختار لقصائدها مباني تركيبية قائمة على التناقض ومليئة بألفاظ متعارضة المعنى (الماء-النار-الأرض-السماء-القمة-المنخفض) تجمعها في قصيدة واحدة فهي تحاول التأليف بين المتباعدات والمتناقضات تماماً كما تحاول خلق حالة من التوازن لذات تتصارع فيها مثل هذه التناقضات، هذا ما يتضح لنا من معنى في القصيدة حين نجد الشاعرة تتذبذب بين مشاعر القوة والضعف فتارة تميل لذكورية مكتسبة من معيار التفوق الذي يفرضه مجتمعها وتتخذ منها شعار نصرها الذي ترفعه لتعلن تفوقها في عالم الواقع، وتارة تفصح عن إدراك عميق لأهمية تفوق الأنثوية في خلق العالم الأمثل والأفضل للبشرية: " كنتُ أحلم أن أقطف لك نجمتين بحجم أحلامي/ وأثقبهما لأعلِّقَ لك قرطاً يليق بوجهكِ القمرّي / وأهديكِ عقداً تشتهيه الشمس لجيدِ الأرض/ وتاجاً على رؤوس الكائنات.../ لأنك تكدّسين صلوات الأزمنة / وتخرجين من أبواب الوقت حافية / أقول لكِ: إني ما زلت هنا/ أرشّ الماء فوق غبار الدروب/ وأعبّىءُ ذاكرة الفصول زوّادة للحنين../ أنتظركِ وظلكِ، لنمضي معاً إلى فيء عام/ لعلّنا نفتح صرّة الوقت، ونفكّ أزرار الرّحيل/ وأقرأ لك عمري على مهلٍ... على مهلِ/ وأنتِ تسرّحين بأصابعك طفولتي.../ أمّي.... كبُرت رياحين الأمسِ/ فلكِ كلّ هذا العبق/ ولي ما تترك بعد موتهاالزنابق.

وعلى الرغم من أن ما تكتبه "سونيا" لا يتعدى توثيق إحساساتها الماضية بذكرياتها الشخصية سواء ما عاشته منها في الطفولة، أو الشباب إلا أن قدرتها على تفصيل، وشرح إحساساتها بكل هذا الفضح الصريح لمكتنزات الذات والتعبير عن تناقضاتها، وهفواتها وأحلامها، وعن رؤيتها للحياة تفتح فسحاً للتعرف على خصائص الذات البشرية عموماً، فضلاً عن أن الصور المستخدمة للتعبير عن هذه الذات هي وسيلتها الأكثر إغراءً لإقحامنا في عالم قصيدتها الشديدة الذاتية لمّا كان إكثارها من صور الماء، ونمو النبات للتعبير عن حركة الجسد، تجد استجابةً جماعية، لأنها تتصل ببدائية التكوين، وتقترن في الذاكرة الجمعية بطرق محاكاة مألوفة لتمثيل الحياة، كما أن التعبير عن حاجة اللاشعور لرفض القيم الاجتماعية التي تضيق مساحة الحرية والذي هو أكثر ما يصرّ عليه مضمون النص لديها ما هو إلا حلم جماعي يجد استجابة لدى الكثير من الناس كل في مجتمعه.

حيث أن ماقالته الناقدة ينطبق على تجربة الشاعرة فقد فضلنا أن ننقله بأمانة للقارئ لأن الشعر أفضل أن يقرأ ويكون القارئ انطباعه بشكل حر دون تدخل من النقاد.

عودة