حالات طحان السرية

استعدت مع قراءتي للمجموعة القصصية: (حالات سريّة) هيئة الحكواتي، ولكنه فيما يبدو آثر أن يتخذ لبوساً من عصرنا وأيامنا، فدخل بيوتا كثيرة عبر الشبكة المعلوماتية، وافترش أوراقاً تنقلها الطابعة الليزرية، وبهذا تجسّدت نفحة من كرم الأسلاف تقدّم الحكايات والصور، وما علينا إلا أن نتجوّل بين الوجوه وما وراء الستائر، ومن ثمّ نسمع كلمات تغمز بسطور تنتظر من يمسك بطرف الخيط!

للأسلاف أساطيرهم وأخيلتهم الممتعة لكن واقعنا فيه كذلك مفارقاته، وهي التي تشكّلها تروس اليوميّ من الوقائع وما سطّرته المثالية التي نحبّ أن تغادر منطقة الحلم!! فتمشي معنا أو تشدّ من أزرنا هنا أو هناك.

لهذا فقد رأيت أن الحكواتي – الطحّان حمل عبر نصوصه سمات البساطة في خطابه

فجاءت سرداً أليفاً يصطحبه جمهور واسع يشعر بتلقائية، ويتلفّت مع القراءة، أو يهزّ رأسه مشاركا وباحثا عن ضفة للنهر أكثر تعاطفا، وفيها موطئ لخطوة متفائلة.

لاشكّ أن الكاتب تمرّس في آفاق الصحافة ولغتها ومعايشتها للناس و ما يزدحم من جزئيات رغم صغرها تشكّل مع الزمن تراكماً مؤثراً في النفوس، واقترب من الشارع والزوايا والجيوب التي لا تطول إقامة النقود فيها، فكان إمساكه بالأخبار الحيّة التي سرعان ما غادرت زوايا الجريدة أو المجالس لتتحول نصاً يضمن سيرورة ووقفات للتلقي عند القرّاء فتتلون بحسب رصيدهم الثقافي وتجاربهم في الدروب و لا يخفى تحفيز العنوان المشاكس "حالات سرّية".



د. فايز الداية











الرحلة مع هذه المجموعة ممتعة ومرهقة في آن معاً . القاص يأخذ بيدك عبر قصصه الرقيقة المتدفقة لتكتشف أولاً أنك تنصت إلى ذاتك تتحدث بكل ماتوحي به هذه المفردة من معان وأخيلة وحصيلة تراثية.

قصص تقدم ايحاءات فيها الصفاء وفيها الطهر وفيها النقاء والبياض بلا شائبة.. وتطرح رؤيا شخصية في موضوعات فكرية واجتماعية وأدبية.

وعلى الرغم من سعة المسرح الذي أخذت منه المادة الفكرية لهذه القصص فإن خيطاً دقيقاً يربط ذلك جميعاً.

نلمح في هذه المجموعة هموم المواطن العاشق لبلده، وهو يشير إلى هذه الهموم في ميادين اجتماعية وأدبية واعلامية وفكرية.

في القصص وقفات فكرية هادئة وعميقة تتناول قضايا ساخنة بأسلوب لايخلو من سخرية مرة، ونقد لاذع.







دار النشر

عودة