بين لغة الطب ولغة الأدب تختلف وظيفة الكورتاج وتختلف معها النظرة تجاهها، أمّا الثابت بين اللغتين فبقاء الجوهر واحداً.

من هذا القاسم المشترك ولج الشاعر الطبيب "إياد شاهين" عالم الشعر عبر صدور ديوانه الأول بعنوان "كورتاج" عن دار الطليعة الجديدة بدمشق، مختاراً عنوانه بحيث يظلُّ هذا المصطلح التعبير السائد عن القتل بروح باردة.. القتل المستند إلى المزاعم الواهية بأنَّ الروح الماضية في تشكّلها لم تتشكَّل بعد، وأنَّ ذلك يجعل قتل من يقع في منتصف الحياة المدركة قتلاً نصفيَّاً.. نصف جريمة ونصف براءة من ارتكابها !!

من هنا ربّما لا تلبث الأعصاب أن تتكئ مخدورةً على قصور الفهم وتبلّد الحس وسلام الضمير .. إسدال الأجفان عن شواردها بعيداً عن حقيقة الفعل الكورتاجي الممارس لاجتثاث الإنسان كبذرة من خصوبة الوجود وجذور الرحم .. اقتلاع البرعم البشري ونفيه في المدارك القصيّة حتى عن تناول الندم .

بهذه الصورة، ومنذ عنوان المجموعة، يضعنا شاهين في هالة الذنب.. يعرّي القتل من ثيابهِ علَّ شيئاً فينا يتغيّر فنخجل من عورة الدماء ومأساة الوجوه اليابسة التي تتساقط على الأرصفة كأوراق الخريف.

بسبَّابته المسربلة بالحبر يشير شاهين إلى كورتاج الأحلام.. كورتاج الحب والحريّة.. كورتاج لكل محاولة امتثال لتلبية الدّعوات المستترة للحياة إلى ذاتها.. الحياة الشغوفة بمن يحياها.. الهائمة على مسافة قلب وجناحين.. الحياة الحلوة واليانعة، صفاتٌ باتت تستثير فينا السذاجة لأننا أضعناها في كورتاج ما تربّص بنا ذات يوم ..كورتاجات عديدة أحرقت الطريق أمام أمنياتنا التي تجرّب إكمال صيرورتها إلى الولادة .. كورتاجات تعلنُ مع كل أمنية لم تتحقق إنساناً لم يتحقق !

ومع ذلك، وبشيء من المكابرة، يبقى الكورتاج في الطب حرفياً وتجسيديَّاً إلى درجة استيعاب من لا يرون في الإنسان سوى وجوده العينيّ ككتلة تحتلُّ حيِّزاً من الفراغ، أمَّا في الشِّعر.. في عالم الرِّحاب الواسعة فما يصعب على هؤلاء استيعابه هو الفراغ الذي يحتلُّ حيِّزاً من الإنسان.. حيِّزاً يتَّسعُ مع كلّ سدادة في فوهة أفق .

من قصائده الجميلة التي أسهبت في رمزيَّتها أحياناً.. غائصةً إلى حيث تصبح الكلمات راحات شفافةً لمعان قاسية وصور هُلاميَّة، شأنها شأن الأجنَّةِ التي لم تكتمل، نقف مع قصيدة بعنوان الغريب: «أين وجدتُّموهْ ؟/في ثيابهْ/وجدناهُ حيَّاً وميتاً/مُكبَّاً على صفحة من غيابهْ/وهل شاهدتكم مسامير بابه ْ؟/دخلنا من المرأة المغلقة خرجنا على دمعة في شرابهْ/تركناهُ حيَّاً وميتاً/مُكبَّاً على صفحة من غيابهْ»



ياسر عيسى ـ قاسيون

عودة