الوحدة

الثلاثاء5/4/2011

قيس محمّد حسن



يذكرّني شعر باسم بمقولة ييتس «الشّعراء يخلقون من صراعهم مع أنفسهم شعراً» فكأنّ الشّاعر يحاور الوجود ضمن ذاته من خلال مونولوج درامي يخوض في الألم والحسرة, إنه صراع الأضداد وتوحّدها, فنرى

"العادي الألوف" وقد لبس الغرابة والدّهشة. كلّ قصيدة من قصائد المجموعة تتألف من عدّة ومضات. متآلفة فيما بينها, تفصح عن الألم والحسرة, واليأس والأمل. من خلال دفقات شعرية محملة بهواجس الإنسان الكبرى.

كما نلمس استقصاء لعالم الإنسان الداخلي.

هذه الدفقات لا تحاول نسج علاقة ما بين الإنسان وعالمه بقدر ما تحاول إظهار ما يعتري هذه العلاقة من عذاب. والشاعر هنا يحوّل مشاعر الإنسان إلى رموز تحملُ إشارات استفهام كما تحملُ مرارة وسخرية. وإذا كان الجرجاني يقول "الإشارة ل بدَّ أن تعني الشيء وخلافه" ففي شعر "باسم سليمان" كما في أكثر شعر النثر نرى الإشارة على الشيء وخلافه من خلال تكثيفات دالّة. إذاً في قصائد المجموعة إيحاء إيحاء وتكثيف.

كما يوجد وحدة عضوية وتواصل ونموّ, الإيقاع الداخلي يتصاعد وينخفض, يتنوع ويتلون بدلالات وإيحاءات مثيرة, فالشاعر يكتب بالكلّي والأعم وشعره وليد تجربة فكرية ووجودية إنه يكتب من تأثير الذكرى. ومن إلهام الموروث الفكري الخاص والعام فكما يقول يوسف سامي اليوسف "الإنسان لا يكتب قطّ, إلا في ظلِّ ما مضى".

الشاعر يحاول تصوير علائق الحياة من خلال زاوية رؤياه فهنا يذوب الذّاتي بالموضوعي, والخاص بالعام. إنه يعرف البديهيات بشكلٍ مختلفٍ ومدهش "هو النّهيُ/ شهوة المكان/ عصيانُ الذاكرة/ هو انا/ علامة السّكون." ص8.

أليس الشعر محور حركة ضاربة في صميم القناعات والرّؤى؟ أم أنّنا زمن اللا شعر؟ الشعر يثير الأسئلة, الأسئلة تحرك المشاعر والأفكار معاً, المشاعر والأفكار تحرّك العالم.

أما لغز الأنوثة الذي لهث الشّعراء في تفكيك طلاسمه.

ما زال لغزاً, فبعد كلّ طلسم يجدون طلسماً آخر, فها هي الأمومةُ طهارةٌ وسموّ. وها هو عالم الأنوثة بمعالمه الأخرى يضجُّ بدلالات وعانٍ أخرى وفق المنظور الشرقي. وها هو تراث الشّرق يحتار في هذا التناقض فيحيُّرنا بعد أن كان موروثنا في القدم الأساطير القديمة قد أعطى المرأة ما أعطاها من مجد الخصوبة والحبّ والدفء "عندما كانت أمي هي المرأة الوحيدة التي اعرف/ كنت اجزم أن الله خلق آدم من ضلع حوّاء/ عندما عرفت نساءً أخريات/ أصبحتُ أعتقدُ/ أنّ الله خلق حواء من ضلع آدم." ص9.

والوقت مربوط بالقلب, فالقلب يحددُ الزمن الذي نعيشه, والزمن الذي يعيشنا.. "سوف أسترقُ النّظر/ إلى ساعة القمر"والحياة التي تتجددُ في الكائنات, تتركُ هوية ماضيها مكتوبة في أعصاب الأحياء "القواقع غربة الصدى/ وضعَ واحدةً على أذنه/ أصغى لنبض قلب قديم" ص17.

تتراكب المتناقضات في العبارة الشعرية لباسم سليمان فتأتلف المختلفات وتختلف المؤتلقات "الفخّار وعي الصّلصال/ التّشكُّلُ خطيئةٌ غفرانها الانكسار" ص68.

القصيدة في هذه المجموعة مليئة بالومضات. الحاملة للتّرميزات الموحية "الحرفُ سكينُ المعنى/ البوح فداء" ص33.

والرموز الواردة من الأساطير القديمة نجدها موظفة على طريقته فألف ليلة وليلة والتي بدأت في الهند ومرت عبر فارس. لتنضج وتأخذ شكلها وبعدها عند العرب, هذه الحكايات التي أثرت في الأدب العالمي بشكل فاعل إنْ لناحية التخيل أو لناحية الرمز. يستعير منها شاعرنا بعض رموزه "شهرزاد/ وما كان../ لا توقفي القصَّ/ فمن أضلّهُ نهدُكِ/ لا تهديه كلُّ الرّوايات"ص51.

أمّا شعر النّثر والذي ما زال يبحثُ عن ظلًّ يستظلُّ به فهو رملٌ من صخرة الشاعر.. والبقية تأتي "ذات بحر/ والبقيّةُ تأتي../ الرّملُ قصيدةُ نثر/ وقفَ الشاعر الصخرة/ مضى على ظلّهِ."ص60.

المجموعة الشّعريّة "تشكيل أوّل" للشّاعر والأديب "باسم سليمان" تربو على ثمانين صفحة قطع وسط ضمّت ثلاثاً وأربيعن قصيدة إصدار دار بيرق للطّباعة والنّشر.

عودة