- دخلت الجدة ، ومضت إلى "الكتبية" التي كانت خلفي لتضع فيها القدر الفخاري الموروث.

وكنت أقول لوردة لحظتاك إن الزمن مثل الفصول المتكررة ، وأما العمر فمثل السنونو الذي يهاجر ولايرجع..

عندئذ نبهتني الجدة إلى ان وردة الراقدة ، والمصابة بواحد وثمانين كسراً في العظام ، لاتسمعني لأنها فقدت السمع نهائياً في حادث السيارة.. وهذه الواقعة كنت أعرفها ، ولم يكن ثمة حاجة لتذكيري بها ، غنما كنت أتحدث إلى وردة التي على الجدار.. جدتنا الكبرى، وكنت واثقاً أن صوتي سيصل إلى وردة الراقدة، عبر الأذنين اللتين في الصورة.



- الغرفة نتنة حقاً.. تماماً كما وصفتها سارية.. ولم تكن بحاجة إلى تنظيف ، لأن التنظيف يمكن أن يكون الوسيلة المثلى لإزالة الأوساخ عن الأرض أو الجدران.. أما النتانة فيحتار المرء كيف يزيلها، لأنها غير مرئية.. وعلى الأغلب هي متغلغلة في روح المكان، وفي هذه الغرفة التي اختارها ضيق الوقت، وضيق فسحات التفكير المنطقي الذي يحتاج إلى فسحات من الهدوء واسترخاء الأعصاب.



- بدا كأنما يقلب شفتيه غير عابئ بكلامي ، وحاول أن يتراجع خطوة نحو الخلف.

لكني من جهتي شددته من قميصه.. وعنذاك تمزق القميص ، وانكشف عن كنزة سوداء ، تتخللها خيوط صفراء وحمراء ونهدية.. ولها أشكال جهنمية عجيبة!..

ارتخت يدي ، وهبطت بطيئة دون ارادة مني.. ولمحت في عيني "محمود" بريق عتاب مر ، وجارح ، دام لحظة سريعة ، انفتل بعدها ومضى مبتعداً.. تاركاً خلفه ظلاً طويلاً من الكبرياء.. ولعله لن يبكي...



- وارتدت ثوبها الفضفاض ، فغدت أكثر اشتهاء وهي داخل الثوب.. وتيقنت أنها لم تكن محروقة الوالدين وحسب ، بل مشعلة لحرائق بكر في أعشاب صيفية هشة..

وفيما بعد من الزمن لم أعد ألتقيها.. فقط كنت أشم رائحتها تحت أشجار المشمش التي لم تنضج ثمارها بعد.. كان لها رائحة مشمش فج يستدر اخضراره كل إفرازات الجسد الموجعة.



- اكتشفت البنت سهى أن الولد الذي كان يدرس مثلها على شرفة منزله ، فيما هي تدرس على شرفة منزلها هرباً من ضجيج التلفزيون ، ويلوح لها بيده في بعض الأماسي المقمرة ، وبكلتا يديه في الليالي التي لاأقمار فيها.. صار زميلاً لها في كلية العلوم.. انتظرت أن يقترب منها عند نهاية المحاضرة كي يتعارفا خارج فضاء الشرفات.. لكنه ضاع في زحام الطلبة كما يبدو.

في المساء ، حين كانت تحضر وظيفتها الجامعية الأولى على الشرفة ، كان هو يحضر وظيفته أيضاً ، ثم لوح لها بيد خجولة.. فلوحت له بيدها .. وابتسمت..

بحثت عنه في اليوم التالي، ولم تجده..

ثم ترسخت لديها فكرة أن الشرفات خادعة.

عودة