-تخيل اللص.. التقي .. المؤمن .. وقد انتهى من الصلاة، فتهادى خبباً .. صافي القلب، مغفور الذنوب، إلى حذائه الايطالي وانتعله بهدوء ثم أخذ سبيله إلى داره سرباً. وهناك سيكتشف غلطته، فيضرب بيده على رأسه لاعناً الشيطان على السهو، فيقرر إعادته في الصلاة التالية، لكن زحمة الأيام ومشاغلها، وطراوة الحذاء التي تحولت إلى خطوات ناعمة واثقة رشيقة، تنسيه إعادة الحق إلى أصحابه.

- أفوز بالأجنحة أو تخسر حياتها في تعادل سلبي، أترابي كانوا يصطادون من أجل اللهو أو من أجل لحم العصافير اللذيذ.. ذقته مرة لم تتكرر، لم أعد إلى ارتكاب هذه الموبقة الكبيرة.. هل هناك إثم أكبر من أن يأكل المرء لحم أخيه ميتاً.. فكرهتموه؟

الطيور كانت أخوتي والسماء كانت أمي .. وليس أكثر يتماً من صبي يرى أمه ولايستطيع ضمها .. وأكثر وحشة من فتى يرى أخوته تطير وتحلق وهو مشلول مثل دودة..!

-متى أطلقوا سراحك؟ كيف استدليت على البيت؟ من المفروض أن تذهب للدار أولاً؟ إلى أبيك وأمك اللذين يؤجلان الموت – بالعقاقير – على أمل لقياك .. نعم هذا ابني، ابن أخيك ياعمه.. كان يتيماً من دون عم؟؟ أسميته على اسمك.. التقاليد والعادة أن يسمى الحفيد على اسم جده، خالفت القاعدة، وأبوك كان سعيداً بالاسم وهو بخير، وأمك بخير، لاينقصهما سوى رؤيتك، لو رآياك الآن سيعودان شابين قويين ناضرين كما لو أنهما سيشربان من ماء الحياة،

-كنت أحاول الايحاء له بعدم مبالاتي به، في الحين الذي كانت فرائضي ترتعد منه، وشعري منتصباً كما الشوك، وودت كثيراً لو استطعت الصراخ.. للاستغاثة ولتخويف وترهيب الوحش، لكنني كنت أشك في قدرتي على الصراخ، حلقي كان جافاً، وإن كان فيه بقية من صوت فسألفظ معها أنفاسي الأخيرة.. عدة عوامل كانت تعيق حركتي، تراب الأرض المفلوحة حديثاً الذي تغوص فيه قدماي أو حذائي الذي ثقل بالتراب والحصى المترسبان إليه، والمعطف الثقيل الذي اختير، بالأصل، ليتسع لكل أحجام السائقين، والمتهدل على ساقي.

- واصلت المشي .. أنقذتني العكازة هذه المرة، سهلت عليّ مهمة التعريف الصعبة والشاقة في الصبا، السؤال عن نسبي كان يلاحقني كدبور مطعون العش، في المدرسة عند المكافآت أو العقوبات.. في السوق من أصحاب الدكاكين، في الخناقات والشجارات التي يتدخل فيها الكبار لفض الاشتباك، فيسألوننا عن أسماء آبائنا ليقارنوا بين طباع الابن وأبيه، ليقدروا على ضوء الاجابة، العقوبة اللازمة، وماإذا كان واجباً تنفيذها أو تأجيلها للأب، أو صرف النظر عن الأمر بحسب مكانة الأب.

عودة