- ماذا أسمي اللحظة التي أحسستني فيها شجرة خرافية ، تشعبت ذهولاً ، وغصصاً أمام قول أحد الشعراء حين نطق كنبي : لاتكن شجرة، فهذا زمن الفؤوس! ترى مم صنعت هذه الفأس ، لتجعلني حطاماً يلطخني بالنواح والتشظي؟ لاأدري! ماأدريه لأنني أقف مذهولة ، يابسة كعود الحطب ، بيدي دفتر وصلني منك قبل فترة ، دونت فيه مامرّ بك من فرح وترح، وخوف ، وألم ، ونجاحات ، وذنوب ، وأسرار ، وهموم ، خصصتني به ، فقرأته للمرة الخمسين ، واحترقت للمرة الخمسين .

لماذا دفعت به إليّ بعد هذا الشطر من العمر؟ ألا تكفي رسائلك التي كنت ترسلها مدوناً فيها كل شاردة وواردة؟ ولماذا زدتني ألماً؟ هل ينقصني؟ أم أدركت أنني الوادي الذي يحتضن كل ماتدفع به المرتفعات!



- اشتعلت في ذاكرتك ، فاندفعت في سيارتك بسرعة جنونية ، وأنت لاترى غيري ، رباه!

لو كان هذا في زمن مضى ، أما كان لحياتينا مجرى آخر؟

ولكنك اخترتني الآن لأكون دربك ، نبذت كل لامبالاتك السابقة ، لتدعني أنبعث إليك من كل الاتجاهات كالهواء ، وربما كهذا الألم.

رحت تهتف من جديد : أنا قادم إليك إليك.

فأفتح الطريق أمام مجيئك ، مدى يحتضن لهاثك وخوفك ، وفزعك.



- كل الدروب تعتمت ، وانخرطت في السواد ، وعمّ العماء أمام خطوك.

كل الطرق باتت مجهولة الاتجاهات ، لقد ضللت السمت ، وتهت بين مخالب المسافات ، وهذا الضباب اللعين ، فأين ستتجه؟

أين تتجه؟

ولم يشب أمامك الطريق الذي يجب أن تسلكه؟

تاهت االأصابع المرتجفة فوق مقود السيارة ، أخافك الضياع ، حدقت أكثر في العتمة ، تراءت لك وبصعوبة كنيسة استرخت فوق هضبة ، أوقفت السيارة ، وضعت يدك فوق الألم ، كان جذعك منحنياً إلى الأمام ، خطوت عدة خطوات نحو البوابة التي شمخت بهدوئها ، وبرودتها.



- هل لمست الفرق إذن يا"مزيد" بين الضباب الذي تشقه برعب ووحدة ، وبين العجاج؟ أدرت نظرك إلى حافة الطريق ، تقرأ ماكتب على اللائحة ، بدت الكلمات مبهمة ، لعينيك الطافحتين بالرذاذ والألم والحيرة ، تذكرت اللائحات على طرقات وطنك وماتحمل من كتابات بخط عربي مقروء ، واضح، تندّ بالاطمئنان لكل خائف ومستجير ، تدعوه إلى حيث كل بيت يمر به هو بيته ، وماعليه إلا تقبل الدعوة المفتوحة، فأي طرق هذه التي سربلتك بالضياع ، وقلة الهدي؟

عودة