-وهناك.. في الزقاق النازل إلى دارنا، كان الأسود يخطو وحيداً حزيناً منزوع الرسن، نحو المكان الذي ولد فيه.

طوقته وبكيت، شمشمني مواسياً ثم مشى وئيداً إلى مكانه. لم تدم فرحتي بعودة الأسود إلا ساعات قليلة!

كانت شمس اليوم الثالث قد غابت وراء التلال، عندما دخل والدي الاسطبل ولف حبلاً طويلاً على رقبة الأسود، ثم اقتلعني من مكاني وهو ينادي زيداً وقاسماً اللذين كانا ينتظران إشارته،

-تفغر الدهشة فاهاً، يشخب السحر بغزارة من شجرة اللوز، تسقسق الرغبة بضراوة في الشرايين، تتزوبع في الفضاء العابقة برائحة الخبز والنار والقصل، تتدافع الشياطين المحبوسة، كل شيء يهتز ويتراقص، كل شيء يخرج عن المألوف ويدخل تيه الغرابة، اليدان، النهدان، العنق، تصرخ مسامات الجسد صرخات عشق ماحق، يتوحد العرق برطوبة الفجر، يتجه نحو مسيل الصدر ليسقي القرنفل والنعنع، تتوالد الرعشات، وتنبثق اللذة في المسارب الضيقة، تنهار السدود وتنطلق المياه الحبيسة بنعناعها، ويسبحان في الطوفان .. هل من نجاة يانوح؟!

-الليل تنور أحمر.. تترامح الغلمة، تتأجج حمى الرغائب في الجسد، تدق صنوجها الغجرية، فتهيم الضبعة الجائعة.. ويعبر جسر الخطيئة جسد راعش.

تنعتق الخيول من لجامها، تجوب أرضاً بواراً، تجوس تلالاً وشعاباً ضيقة، ودهاليز معتمة، وأدغالاً موحشة، وخلجاناً وشواطئ، ثم تنوء بأثقالها في كهف عميق.

-يومها دق قلبها مذعوراً، وأيقنت أن أمواج السخط العارمة التي تجتاح زوجها، ستقتلعها من بيتها، ستحمل وزر ماحدث، لأنها حملته ليوافق حينها على طلب محمود في اصطحاب أخته إلى المدينة، وعندما جاء قراره صارماً جمعت حوائجها، وخرجت، وبعد أيام وصلت تحمل صرة أحزانها إلى بيت ابنها في عمان لتنزف ماتبقى لها من العمر، في قبرها المبلط النظيف في الدور الرابع، والذاكرة الملتهبة بالماضي القريب، ترعف بالصور فينداح الحنين في الجوارح والحنايا كزيت حار، وتطير من شرفتها العالية نحو قرية بعيدة، تسبح في الفضاء الأغبر ساعات وساعات

- لم تكن نسمة الهواء التي هبت فجأة كافية لأن تلوي أكثر من عنق زهرة أو سنبلة، إلا أنها كانت كافية لروحه كي ترفرف فوق سطح الجيران، لحظة انحسر ثوبها، وفاضت ساقاها عرياً ارجوانياً عند حبل الغسيل!

حينها لم تستهجن زوجة الشيخ سلوك ذلك الفتى الذي يقف ببابه متلبساً، بل شغلها ذلك الشعور الذي باغتها عندما أيقنت أنه تأمل عريها، وأربكها هذا الطارئ المباغت الذي فجر تحت جلدها رغبة فاجرة، كادت أن تفك زمام عفتها، لو لم تهرب بضعفها المفاجئ .. وإذ استردت تدريجياً هدوءها، جلست وعلى مهل راحت تتعرف نفسها.

عودة