الصورة غير متوفرة

ـ كانت مدينة جميلة ، مطوقة بالبحر والغابات ، لكنها كأي مدينة عربية كانت متوحشة ، محكومة بالارهاب والجوع والسمسرة والدين والحقد والجهل والقسوة والقتل ، مدينة تكره الغرباء.

ـ هكذا كان يحلم أو يتوهم وهو يقاتل ويسجن ويتحدث.

مهيار الباهلي الرجل النحيل ، الصلب ، المأخوذ بمطاردات تاريخية ورؤى تشبه رؤى القديسين أو المجانين ، في العصر الذي لم يكن عصره ، لحظة كان الصيادون يرون بدقة لامتناهية طيور رأسه الخضراء والبيضاء فيطقون عليها بلا رحمة لتتساقط مضرجة بدمائها فوق البحيرات وفوق العشب لكنه يظل مطبقاً عينيه أبداً ليستولد طيوراً جديدة بأجنحة قوية يطلقها في الظلمة العربية الدامسة. طيور تخفق ، وهي تعرف أنها ستموت الآن أو في الفجر القادم.



ـ لكي تظل جديداً لابد أن تشن حربك الداخلية في وجه أمواج الانهيار.

الانتصار على النفس القديمة مطهر نحو المستقبل ، والزمن يطحن جيلاً ليرقى جيل آخر. التاريخ كما لم يبدأ منك فهو لاينتهي بك ايضاً.

لعل طاقة التغيير هي هذه القدرة الداخلية على العبور فوق جسر الصدمة ، إثبات أن الخطأ كان عرضياً.

لعل هذا هو الدليل على استمرار الحياة والانتصار على الموت.



ـ آهٍ .. لماذا ننسى في غمرة الألم و الرداءة صوت موسيقى البحر ورنين الأمطار وصعود الأنساغ تحت اللحاء القاسي للشجر. إنه الدفء يشع من عيني امرأة. هذه التي على وشك الصراخ: لماذا لا نتضامّ كالطيور في ليالي الصقيع ثم ننهض مع أشعة الفجر ونحن نغني!



ـ الشوارع ومنازل القرميد والشجر والسيارات الهادرة ومقاهي الأرصفة ، ثم الضوضاء.

زمن الشمس الصاخب، وهذا الشجى.

والشجو في بهوت جدران المدينة، والحركة، وماسيغادَر ويترَك من علامات الأقدام والعيون والنبضات الخافقة في مسامات المدينة الباقية داخل الذين سيهاجرون قريباً إلى أوطانهم الأولى والذين يظلون هنا وحيدين في عراءات المدينة المستوحشة تحت القيظ والملل والفقدان.

عودة