-سامحك الله ياوالدي، فأنا أحبك جداً، ومع ذلك أجدني أكرهك إلى حد ما، أو مضطراً إلى كرهك، إذ ليس من المعقول أن أكرهك وأنا منك، ومن غير المعقول ألا أكرهك بعد أن أورثتني مصائبك كلها، فعلى الرغم من اعتزازي بك، وبأني منك، وبانتمائي إليك، أشعر بكرهك، فقد جعلتني أحيا في زمان غير زماني، ومع أناس غير الذين يجب أن أعيش معهم، لم تتركني أحيا لحظة واحدة على طريقتي، لم أتنفس نفساً واحداً كما أرى ويرى أصدقائي.



-كانت الدموع تغمر وجنتيّ، ومازال الجديد منها ينحدر، لم تبق في وجهي مساحة بغير دمع، حتى صرت أشعر بالغصة في حلقي عندما أحاول بلع ريقي لأن ماأسمعه من كاسم لم أسمع مثله في حياتي، والصدق الذي كان يفوح من حديثه لم أشتمه في أحد، فالحصان كان قريبه بالفعل كما كان الحصان من أبي راتب، لاشك في أنها عشرة العمر.



-وهاأنذا أعود إلى ماأسميتك، إلى شهرزاد التي ظننت أنها لن تقدر على فراق مرسمي الفوضوي، وعلى أقل تقدير إلى أن أنهى اللوحة التي أرسمها لتكون لك بعد موتي.

أردت أن أطلق على صورتك اسم عرس شهرزاد.

أجل أيتها الغالية، أردت أن أزوجك في طقوس احتفالية مميزة تليق بأنوثتك التي ضجت بها الخليقة، أحببت أن أحررك من سبي شهريار، مني أنا، وعجزت عن فعل ذلك،



-بدأت رغدة تخطو خطواتها المتثاقلة صوب باب المعبد الكبير، مشيت خلفها، وكلما حاولت أن أقول شيئاً، أن أقول أحبك فعلاً ولكن .. تبتعد رغدة عني أكثر.

ولما وصلت إلى الباب الخارجي التفتت إليّ، أشارت ألا أتحرك خطوة واحدة خلفها، كانت عيناها تبرقان بالدمع كما لم أعهدهما من قبل. وفي فمها رعشة تؤذن بالبكاء...



-لست أذكر من سوزان إلا أنها تقدمت مني، وكأنها أحست مابي، فدارت دمعها، ومدت النحيلة من وجهي، مسحت دمعي وقالت بطفولة ومعرفة: لابأس ياوالدي، ستأتي بغيرها..

لم أصدق أن سوزان ابنة السنوات الست تقول هذا، لكنها قالت، أقسم إنها قالت وخرجت من الغرفة لتبكي على هواها، ولاأذكر أنها دخلت هذه الغرفة بعد ذلك اليوم، ولا أذكر أنها ألقت عليها مجرد نظرة.

عودة