الصورة غير متوفرة

-قلبي متعب، وداخلي غربان وخواء. ابتلعتني أزقة المدينة وحواريها الضيقة، المليئة بالوحول اللزجة طوال ساعات، دون أن أهتدي إلى موقع بيتي الذي كنت أتوق الوصول إليه، كتوق غريق لقشة يتعلق بها، ولكن دون جدوى. إنني لم أكن قادراً على تحديد معالم الأمكنة.

البيوت الطينية المتعانقة كلها متشابهة والأزقة التي ألفتها منذ الطفولة صارت متاهة لاأعرف بدايتها من نهايتها. وبيتنا بقايا حلم ناءٍ، وموعد دفء بعيد المنال.



-اقتربت من العربة، يلفني الحزن.. وتلسعني الكآبة ، مرتبكاً، حائراً ، لاأدري ماأفعل وإذ بأصابع – شعرت أنها اليفة – تربت على كتفي بلطف، تلفت، فرأيت صديقي "ناصر" وعلى شفتيه ابتسامة يمتزج فيها الحزن بالتصميم، حين تبادلنا النظرات بتركيز أشد، اشتعلت في عوالمي الرمادية جذوة من الجمر كادت أن تنطفئ. دون أن نتبادل الحديث. أومأ إليّ. ففهمت، وانحنينا سوية، لنرفع عجلات العربة من جديد.



- المدينة مضببة، مجللة بالليل والغموض، يخترقها نهر من العتمة والوحول.

مياه عكرة في المجرى، وأنا وحيد عائم في الظلام. حولي مئات من الوجوه الهائمة، شاحبة اللون، تتحرك بفعل التيار. حركاتها على شكل موجات عشوائية، لانهائية. بعضها ينسجم مع مجرى النهر، وبعضها الآخر يجري في الاتجاه المعاكس، يرسم دوامات في المكان، يتصارع مع تلك الدوامات، يظن أنه حدد خطوطها بشكل نهائي في زمن ما، لكنها ضاعت في زمن لاحق.



-يحدث أن تسمع أغنية .. أغنية ما، وفجأة تجتاحك دفقات من المشاعر الغريبة، للوهلة الأولى، لاتدرك السبب، ثم تكشف أن ثمة ارتباطاً ما خفياً، بين هذه الأغنية ومخزونك الذاكري..

-

-الوجوه: مساحات جليدية، شاسعة، والفاصل بينه وبينها يزداد اتساعاً ووحشة، كلما أوغل بحثاً عن بؤرة دفء أو شعاع تعاطف، لكن بيادر الحزن كانت هناك، خلف الشبك المعدني ترفع راياتها: عيوناً متسائلة، وأنفاساً مكتومة، وانتظارات طويلة، ممضة.. إنه عالم التذكارات المنسية، يأتيه كموج من الذبابات الداخلية الغامضة، يرسم وجه الحبيبة التي نسي ملامحها، وصدى المواويل الحزينة، والبيت العتيق، وشلالاً من الدفء يتدفق من أيقونة قديمة.

عودة