-الأحياء العتيقة .. إنها عتيقة بأحلامنا.. أحياء من الزواريب والأزقة والطنين الخافت والايقاع الهادئو.. كلها تقرب المرء من ذاته أكثر.. فرائحة الحنين تعبق من الأزقة الطرية.. من البيوت الصغيرة المتراصة.. من الجلسات الحميمة أمام الأبواب.. من الاستعداد اتقبل الغريب.. أي غريب.. من الخمارات البسيطة والعجائز القابعات على كراسي القش.. منهمكات في تصريف اعمارهن كيفما كان .. إنما بهدوء..





- إنني افكر ألم يكن ممكناً حقاً اختصار كل تلك المعارك الصغيرة بحثاً عن انتصار صغير آخر؟ هل كان ذلك الضجيج قدراً لافكاك منه؟

ياللغباء البشري الذي لايقف عند حد! هل حقاً كان من الضروري استنزاف حيوات أخرى في سبيل قضايا خاسرة استنزفت حياة الكثيرين من قبل وبات واضحاً تماماً عقمها وسخفها وعبثيتها؟!



- الآن بدأت افهم لماذا يحمل العربي في روحه كل هذا الضجيج والرغبة في الخروج من سجن ذاته.

لماذا يفور ويضج أبداً ، لماذا يبدو برانياً دائماً؟ حتى ليبدو هاجسه الوحيد الانعتاق من كل أسر، والنفور من كل مايدعوه إلى الثبات. إنه قوة نافرة تحارب على الدوام القوة الجاذبة المركزية الهائلة التي تحكمه! وإذ يخسر دائماً، فغنه يتحول إلى التشنج الموتور، ويبدأ عبثاً بالتفتيش عن نقطة ارتكاز تبعد باطراد ، وعن لحظة هدوء تنأى كالسراب..



- هل تعلمين ياسلمى، ربما كان التضاد بين المثقف والضابط من أكثر أنواع التضادات ضراوة في الحياة ، فكل منهما يجهد لإنزال الآخر عن عرشه الذي يمنح عالمه الانسجام والاطمئنان ، وكل منهما يجد في الاخر ماينقصه.

المثقف يتشهى السلطة التي يملكها الضابط الذي يعيش بدوره عقدة النقص تجاه الثقافة التي يحتقرها ويشتهيها بالوقت نفسه.

كل منهما يحاول إدانة الآخر وتحجيمه بشكل ما ، المثقف يعتمد على سلطة الحقيقة لمواجهة حقيقة السلطة التي ينفرد بها الضابط.. المثقف يبتسم بشماتة وهو يفكر بالمستقبل منتظراً ، والضابط يبتسم بتشف مكتفياً بالحاضر الذي يقبض عليه بقوة.. لذا عندما يتواجهان تتصلب الوجوه وتتشنج الملامح وتقسو العيون حتى يكسر أحدهما الآخر.



- أغبياء، اغبياء.. لم يكن البشر على مر التاريخ سوى مادة للغباء.. لم يكن المسار البشري أكثر من مسار الغباء.. لم يحدث مرة واحدة أن استخدم البشر ذكاءهم. لقد كانوا على الدوام يسارعون إلى خيمة الغباء ويقبعون تحتها طالبين الأمان، مفضلين الحلول السهلة.. لم يحدث أبداً أن حاول أحدهم وقف مسيرة الانحدار الغبية.. لم يقم أحد بإمساك أبالسة الغباء من آذانها والقذف بها إلى الجحيم.. هذه هي المسألة..

عودة