-الآن فقط تجرأت أن تتمعن في ملامحها، وكأنها تريد أن تحتفظ بصورتها في ذاكرتها التي بدأت تخشى أن تتسرب منها يوماً بع يوم، وأن تأتي لحظة لاتستطيع فيها أن تتعرف على نفسها إن التقت فيها ذات يوم .

ثمة أمواج بدأت تقذف بها بحيرة ذاكرتها المختومة، التي تحتفظ بسجلات الماضي، وحوادث الأيام المنصرمة، قبل أن تجهل ذاتها... مشاهد من الماضي بدأت تهاجمها ولم تعد تعرف إن كانت تأتي من ماضيها هي أم من ماضي شخص آخر..



-اكتشفتُ متأخرة جداً ، أن اسوأ ماتقوم به المرأة هو التضحيات في غير مكانها، وأنا كانت تضحياتي كلها فضفاضة وزائدة عن حدها لدرجة أنها تزعج زوجي وأولادي.. مسكينة أنا، كم ضللت الطريق عندما انطلقت باتجاه الحب، فقادتني قدماي إلى طرق أخرى وأزقة ملتوية، تهت فيها ولم أعد أعرف طريق العودة..!



-الخوف .. ذلك الخوف الذي يطاردني في كل مكان ..

أول شعور تعرفت عليه عندما كنت طفلة.

هناك صور مظلمة في ألبوم ذاكرتي الممزق، لقطات قديمة مشوشة بالأسود والأبيض، أرى نفسي فيها أتحرك بوجل وحذر بين أشخاص كبار، أنا البنت الرابعة في منزلنا.. التي جاءت إلى الدنيا متسللة، واتخذت لها مكاناً في زاوية مظلمة من المنزل.



-ولكن الزمن، كان يشجعه على النكوث بوعوده، حتى جاء اليوم الذي أصبح لايستطيع فيه تمييز النفاق مهما كان واضحاً، لابل بدأ هو نفسه ينافق لنفسه ويردد لها عبارات النفاق نفسها التي تكررت أمامه وستبقى تتكرر حتى نهاية العالم. وعد نفسه بأن لايصاب أبداً بمرض الملل والضياع الذي كان يرى أعراضه على وجوه رجال الأعمال الذين التقاهم في بداية حياته، وكان يسأل نفسه عن تلك اللعنة أو العدوى التي تصيب كل انسان يصل إلى مبتغاه.



- كان أمامي خياران حينذاك: أن أخرج ولاأعود أبداً أو أن أرتدي قناعاً مثلهم.. اخترت الخيار الثاني، ولكنني أخطأت لأنني لم أفصل لنفسي قناعاً خاصاً بي ، بل بدأت أستعير أقنعةً من الحاضرين، ولم أستطع أبداً أن أجد قناعاً على مقاسي .. ففي كل مرة كان القناع يسقط عن وجهي، فأعود وأستبدله بقناع آخر .

لم أعرف من عليّ أن أكون..!



-هل تشمل المؤامرة جميع النساء؟؟ الجميع يخاف المجتمع.. وكأن ذلك المجتمع المخيف، ليس من صنع يدينا، وكأننا لانشكل جزءاً منه.. نخافه ونكرهه، فيعادينا وينتقم منا.. نسعى إليه ونحاول اقتحامه، فيلفظنا وهو ينظر إلينا شزراً.. ويلوح لنا بإصبعه مهدداً .. في كل لحظة، نحوله إلى كائن أصم وأبكم لايفهمنا ولكنه يستمر بإنجابنا، ونستمر بإطعامه ولايتوقف عن إهدائنا باقات من إشارات الاستفهام والتعجب.

عودة