الصورة غير متوفرة

- خطواته كانت وئيدة، وظهره كان محنياً، عقده السادس لم يكن قد اكتمل، وإن كان يبدو قد تجاوز السابع، حمله كان ثقيلاً، ورجلاه كانتا متعبتين، لم يكن يحمل عكازاً وغن كان يبدو شديد الحاجة إليه.

صعد الدرج متأنياً، صديق العمر سيفرح للقياه وسينصره، قال له جيرانه: نحن أولو قوة وبأس، عصبتنا كبيرة، وأنت وحيد أو تكاد، لاحول لك ولاطول، سنعلو فوقك بالبنيان وندع لك الأسفل، وإن احتجت سنقتلعك منها.

-في ليلة شتوية باردة أيقظنا الضابط المسؤول بعيد منتصف الليل، جينا على الجليد، زحفنا على الوحل، ومع الصباح كنا منهكين تماماً والبرد قد نخر عظامنا. قال : بعضكم هرب الليلة الماضية . قلت لرفاقي حولي : هل يجوز هذا؟ يجب أن نشكوه لقائد المعسكر، جئنا لنخدم العلم لالنتمرغ في الوحل. سمعها الضابط عن طريق أحدهم، ربطني عارياً إلى عمود في ساحة المعسكر. أمر أحد العساكر أن يصب عليّ ماءً بارداً بين ساعة وأخرى، تسلل البرد إلى نخاع عظلمي، تجمدت أطرافي، ازرقّ جلدي مع المساء ولم أعد أرى حولي سوى الضباب.

-في البساتين الممتدة حول نهر فويق، غربي أسوار حلب، أمام باب الجنان وباب أنطاكية، وجد عملاص، ناداه بستاني عجوز: تعال يلولدي ساعدني في قطف المشمش، وخذ سلة منه عند المساء. وهكذا عاد الفتى إلى أهله مساءً يحمل سلة من المشمش، كانوا جياعاً وقلقين عليه، أكلوا بشراهة ثم سألوه عن غيابه فروى لهم ماجرى.

-وحيد أنا ياصديقتي والوحدة قاتلة، قضيت أياماً سعيدة، وكان حولي أناس أزهو بهم، ولكن دروب الحياة مضت بها، وبهم. أقضي الساعات أنظر إليك، أعزي نفسي بك، وبما مر عليك، تذكرين ياصديقتي، لابد أن بعض الهزائم قد لحق بك، وتعرفين كم هو مر طعم الهزيمة، الاخفاق علقم، وأنا الآن مهزوم ومخفق. ومثلما كنت منيعة وعتيدة، يرتجف الغزاة والطامعون حين تذكرين ، أو حين يقتربون منك،

في هذه الأيام لم يعد أحد يهتم بأحد ياصديقتي، ألم أقل لك ذلك، كل الناس يركضون لاهثين، ذاهبين إلى الغزو أو عائدين منه، طفيليون في وليمة، كل يريد أن يملأ بطنه أكثر، فمن أعاتب أو ألوم على تقصيره؟!

-حين أوى إلى سريره ليريح جسده المتعب، أحس بالوسادة صخرة صوان، وأن أشواك الدنيا قد انتصبت حادة تحته. تقلب ذات اليمين وذات الشمال مراراً والنوم يبتعد والأشواك تزداد حدة، انسحبت أطرافه كبقايا جيش مهزوم، تكومت عند رأس السرير حيث استند ظهره، لم يبق له ملاذاً غير هذا السرير، وهاهم قد غزوه أيضاً

عودة