- خاف أن يكون مايشعر به هو الموت ،ولكن السعادة التي تغمره والمسرة التي تتسرب إلى نفسه كلما سمع هزيم الرعد وهدير الرياح، منحتاه الثقة في أنه مايزال يشعر ويحس ويسمع.. وتمنى في تلك اللحظة لو يستطيع تأدية الصلاة .. لو يضع نفسه بين يدي الخالق، ولو للمرة الأولى في حياته.. تمنى جرعة كبيرة من الخمر علهاتمده بالجرأة لمواجهة الإله.. ليسبحه ويمجده.. ويعبر عن سعادته بفرح غامر. لعله يبغي الكشف.. الذي يخترق الحواجز والقضبان والجدران والسماوات السبع.. لم لا.. هل من خاطئ عرف الذنب إلا من الفضيلة؟



- أخذ "أحمد" يختلس النظر إلى الطريق والمنطقة المحيطة به. كانت الطريق معبدة ضيقة تحف بها أشجار الجوز الوارفة ومن خلفها أشجار الزيتون الباسقة.. وهي تنحدر متعرجة بين المنحنيات الجبلية، ولكم تمنى أن يعرف اسم المنطقة.. فراح يراقب الطريق لعله يجد لافتة تدل على ذلك.. ومرت السيارة بعدة شاخصات ولكنها كانت تحمل كتابات عبرية. كم هي جميلة أرض "فلسطين".. وكم هي رائعة وهادها.. وهذه السماء الزرقاء التي تزينها الغيوم البيضاء لكأنها تفوق جنة الخلد.. وإلا لما حلم بها اليهود آلاف السنين. وهل يمكن أن يكون وعد الإله لهم بملكية هذه الأرض إلا أسطورة تبرر اغتصابها وتشريد أهلها؟



- وتساءل : هل يمكنأن يكونا متفقين في المبادئ؟ .. ولم لا، أليسا متقاربين عمراً؟.. ألم يترعرعا في بيئة واحدة؟.. وهل يمكن أن تكون تربيتهما إلا متقاربة؟

ألا يمكن أن يكون كل منهما قد تلقى علومه وثقافته من مصدر واحد؟

ونظر إلى يوسف وهو ينحني لتخليص سرواله من شجير شوك علقت بساقه، وقال في نفسه: إنه رجل قوي بالتأكيد لأنه صمد في وجه الفكر الصيوني.. وماقام به في غاية الغرابة..



- خرج مع الحارسين وقد انتصف النهار، وتغير منظر المعسكر وألوانه. فالشمس كانت ترسل أشعتها على الأشجار والأكواخ، وكأنها تكللها بتيجان ذهبية بديعة ثم تنزعها عنها عندما تحتجب خلف الغيوم. وتساءل كيف ينسجم هذا السحر وهذا البهاء مع دوامة العنف التي تجتاح المنطقة؟ لابد أنها طريق إجبارية للدفاع عن النفس والأرض.



- وعاد إلى مدينته يشده الحنين، فلم يجد أحداً ممن أحبهم.. فقد والدته بالموت قسراً.. وخسر زوجته قسراً.. وكذلك ولده ابراهيم.. فالمرء يسلمبجبرية ولادته لكي يعيش حراً لفترة تنتهي بجبرية الموت.. أما أن يخيم الجبر على كل لحظة من حياته، ويفرض عليه الحدث كالقدر المحتوم، فهو أمر لايطاق.. بل يدعو إلى التمرد والرفض..!

عودة