الصورة غير متوفرة

- في كل مرة كان حمورابي يحمل ألواحه ويطير إلى البعيد لكن بابل استوقفته وراحت تقص عليه الحكايا المنسية التي يعيشها الفتيان وهم يرقبون إطلالة العرس الموعود، ورمى حمورابي ألواحه وغفا على كتف الوهم.

كان عرس كربلاء يومها ينزف على كل الشوارع ويلوح لكل الساعين إلى الحرب.

-كانت تهمس، إنهم سيأتون والفرح فوق أكتافهم بشائر إلى عيون الأطفال جميعهم، وإلى أحضان النساء اللواتي أثقلهن العطش الطويل. إلى متى ستبقى المدينة كدمية مفككة الأعضاء؟

ومن سيزورها بعد ذلك الهجران الطويل!

وهل سيفرغون حبهم في أزقة لاتحمل هوية!

- لقد رحل والدي الآن وترك ثروة من الكلمات موزعة في بغداد والموصل. في القدس ورام الله. في البصرة. في الصعيد، في دمشق وحلب. وكان الاحتلال القادم قد أسكت كل الأصوات ومنعها من التلاقي... كانت رغبة والدي أن تجمع تلك الثروة وتوزع على أخوتي، لم تكن أمي تعرف القراءة أوالكتابة، فكيف تستدل على ذلك؟

تمنت أن تصطحب معها من يساعدها على لملمة الكلمات التي جعلت أمي تبكي في أول مرور لها في العراق أنها شاهدت كل الجثث قد ابتلعت كلمات والدي وتغص ببعض حروفها.

- الشجرة وحدها عرفت كيف تساهم في نقل بعض ذلك الألم إلى جذعها الأخير الذي أبقته الحروب المنوعة ملتوياً قليلاً لكنه لم يمت، كان هو نفسه يحب تلك الشجرة وإن كانت لاتحمل في صدرها الكثير من الثمار. كان كل مافيها بعض فيء يشي بالرغبة بأن يكون مفيداً بشكل ما، رغبت من جهتها أن تساعد في اقتلاع بعض الحزن الذي يسكن خلايا عقله. او الألم الذي يمضّ وجدانه. لكنه كان كتوماً مثل حبه لتلك الشجرة التي لاتحمل إلا ضلعاً واحداً.

- كانت الدموع وجبتها اليومية، وكان وجهها يحاكي كل الورود الجورية. أما وجودها ونشأتها فلم يكم أحد يعرف عنهما شيئاً.

لقد أحبت الكثيرين وأحبها الكثيرون، لم تكن تملك سوى ذلك القلب الذي كان همه المحافظة على كل ممتلكات بلدها. لم تعرف السياسة في يوم. ولم تتعرف إلى أصحاب الأفكار المعروفة ولم تنتم إلى تنظيم في حياتها، كانت تقول : التنظيمات هي المحافظة على الشعب، على الأرض، على الوطن.

- هوذا ينتقل من بلد إلى بلد آخر وكان يعتقد دائماً أنه ليس بحاجة لهوية. وتساءل : أليست كل العواصم بلدته، وهويته هي بلدته، وتوهم أن صوتاً آمراً يرن في أذنيه.

وتطلع حوله في كل الاتجاهات ولم تقابله سوى بقايا سنابل قمح لم تقطع رؤوسها بعد، أحس أنها أيد صغيرة ترحب به، والشمس غرست أشعتها في عينيه فلم يعد يعي مايجب أن يفعل.

- عندما تعرفت على رفيقها في الصف وأحب أن يمشي معها، قالت له ببراءة وطيب، أنا لاأستطيع أن أكون معك، أنا لأخوتي، وكأنها حسبت أنه سيأخذها إلى مكان قصي، وأخذت منه موقفاً ولم تدعه يمشي بجانبها لأنها اعتبرت أنها تخون عائلتها إن فعلت ذلك. كان ذلك الرباط الذي يشدها إلى والديها هو ذلك الشقاء الذي تحسه ينمو باستمرار بينها وبين أفراد أسرتها، تتساءل كيف سيتعلمون وهم لايملكون الأود.

عودة