الصورة غير متوفرة

- بدت لها تلك النصيحة سخيفة لا معنى لها. أيحسبها امرأة خارقة؟ من أين لها الشجاعة وهي تشعر بضعف مريع تفقد معه حتى الرغبة في الحياة. وتحاول جاهدة تجنب السقوط في لجة اليأس والاستسلام. تقاوم بشراسة وساوس ومخاوف غرزت أظافرها فيها. ترفض تصديق أن طارقها يمكن أن يكون ذهب في رحلة اللاعودة!. تتمسك بأوهى الآمال. وتؤكد لنفسها أنه في الضفة الأخرى حي سالم ينتظر الظروف المواتية للاتصال بها. لكن الدقائق تمر بطيئة كدهور. والساعات كعصور, ويوهن الأمل. يوهن حتى يتلاشى.



- حاولت أن أصلي طالباً من الله العون والقوة، لكنني نسيت كيف يصلون!. آخر مرة دخلت فيها إلى كنيسة كانت يوم تزوجت.

مهما استقوى المرء واستكبر وحسب أنه قادر على إكفاء نفسه بنفسه فإنه يحتاج في النهاية، وبخاصة في الملمات، إلى قوة أقوى منه يلجأ إليها. إله أو زعيم أو جمهور أو عقيدة يؤمن بها. يستحيل على المرء أن يكون فرداً مطلقاً وأن يتخلص من كل ما فيه من عقد واتكالية ووساوس.



- تنسك في محرابها كاهناً مسلوب الإرادة يقدم لها فروض العبادة والولاء وكأنها الحواء الوحيدة في هذا العالم. حاول جاهداً التحرر من أسرها والنجاة من شراكها.

لكن لا طارق ولا الاحتلال ولا "أكرم" ولا "لمياء"، ولا حتى ابنته المسكينة، قدروا على نزعها من فكره ودمه وروحه. مر في حياته كثير من النساء. لكنهن لم يزدن عن محطات عابرة يترجل فيها لإشباع شهواته بفتور واستعجال قبل أن يغادرها غير آسف راكضاً وراء سراب عواطف كالبحار المتنقل بين جزر مهجورة باحثاً عن مرفأ آمن يحط مرساته فيه إلى الأبد.

لكن "عواطف" لم تكن إلا القدر الملعون المجبول بالعذابات والخيبات والهزائم، أهو حقاً مازوشي كما صرخت في وجهه الصيف الماضي حين سألها مجدداً الزواج؟ أصغت له بهدوء وهي تأخذ حماماً شمسياً في مسبح الكارلتونون. أثاره حتى التمزق عريها المسفوح أمام ناظريه بالمايوه الأصفر ذي القطعتين اللتين تكشفان أكثر مما تستران.

كان جسدها البرونزي نضراً مشدود الجلد لا يوحي أبداً أن صاحبته امرأة في منتصف عقدها الخامس، راح ينهشه بعينيه بشبق رجل لم يعرف الجنس الحقيقي بعد:



- أعتقد، وأنا نادراً ما أخطىء، أنك المرأة التي رغبت فيها دائماً دون أن أعثر عليها قطعة واحدة، ففيك نسب عالية من الجمال والجاذبية والذكاء والاعتداد بالنفس والطيبة والمكر والكآبة والإحساس بالظلم والرغبة في الحياة. و.. الشبق.. ولاحظت وأنا شديد الملاحظة، وآمل أن تعوّدي نفسك على تحمل غروري، إنني بدوري أثرت فيك مشاعر إيجابية حرمتك النوم ليلة البارحة، وهذا واضح في عينيك اللتين زادهما الذبول والنعاس سحراً. لعلك أعجبت بي أو أثارك ثرائي، فلا شيء يدير رأس حواء كالمال.

أو ربما دغدغت فيك عقدة الكترا، فأنا في عمر أبيك وإحدى ميزاتي قدرتي الكبيرة على خلق شعور بالاطمئنان والثقة والوداعة والعطف في نفوس النساء يساعدني على ذلك ضخامة قامتي وبراءة ملامحي!



- فدانا المسيح بجسده، اليهود جلادوه، سأفدي أولادي بجسدي، رافايل اليهودي جلادي ألا أيهذا الجسد الذي من تراب وإلى تراب ترتمي في حمأة الرذيلة فيما الروح تنّز دماً، يحتويك ذلك الرافايل كغراب يطبق على عصفور،.يشق تربتك بمحراثه الحديدي الصدئ باذرا فيها العار والموت. أغمض عينيّ وأخنق أحاسيسي وأيبّس أعضائي فينتفض صارخاً بقسوة إنه يريد امرأة لا جيفة، يحدجني بلؤم وهو يسألني إن كنت بهذا التصرف اعتبر نفسي الضحية واستصدر لها صك البراءة



- لدى كل امرأة ما يكفي من الضد. في الحسناء ثمة قبح، في الفاضلة ثمة عهر، في الذكية ثمة غباء، في الطيبة ثمة لؤم، والعكس صحيح. وليس ثمة فرق في النتيجة بين مخدع الفاضلة وماخور العاهرة. ففي المطرحين الوقائع واحدة.

بإمكاني الادعاء أنني أفهم المرأة بجميع وجوهها لكن أمي تستعصي عليّ، تنزلق دائماً ما إن أحسب أنها حطت رحالها وقررت الاستقرار، لديها دائماً ما تفاجئني به! تصدمني إلى حد زلزلة كياني.

أبي حي يرزق بعد عشرين سنة موتاً؟ مسخرة... هستيريا.. جنون.. أحاول لوك القصة فتتكسر أسناني.

إنه حزيران الشؤم، شهر ملعون يأخذ معاني تجريدية كابوسية، أرى النور، ولعله الظلام، في حزيران.

أبي يموت في حزيران، نُبعد من القدس في حزيران.

أرمي نفسي في أتون بيروت في حزيران. تراجيديا حزيرانية، دراما حزيرانية كوميديا مأساة. ماذا يريد مني حزيران؟ أهي مصادفة أم مؤامرة مدبرة من قدر لعين- جميعنا نتحدث عن القدر اللعين.

اللعنة دأبه مناكدتي وقهري؟..

عودة