الصورة غير متوفرة

- والآن هاهي "بسمة"، ينابيعها تفيض في الداخل، ولكن من قال لك يابسمة أن ينابيعي قد انطفأت.

كلانا سيظل يضج الانسان داخله، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

بيد أن السواقي القادمة التي سننهرها في أديم الأشياء، لن أقول لك أنها ستكون عقلانية ومدروسة.

إنني أعترف أنها ستبقى وحشية، ينبوعها الغموض المريع، لكننا سنعرف كيف أن لانرسم حولها أطراً وحدوداً، سنبقيها مفتوحة على كل الكائنات إلى مالانهاية.



- هذه هي مشكلة الشرق يا"بسمة"، فدائماً تأخذ قضايانا سياقات وأشكال دامية مبالغ فيها إلى حد التشوش الكامل، لأننا لانعالجها هي بذذاتها، وإنما نهيل عليها ذاك الفقدان الرهيب لأشياء أخرى دون أن نسميها أو ندركها أو نعبر عنها.

هاأنذا أعترف لك أننا بشر غير أسوياء، يشك بكل قول نقوله، يشك بأحزاننا، وأفراحنا، لأن كل سلوك نفعله لايحمل غير النذر البسيط من حقيقتنا الداخلية الأصلية.

ألهذا انهزمنا؟! ... نعم .. نعم



- الآن فقط سأشرح لك ماهربت منه الكلمات حينها.

فأنا ياسيدتي كما تعرفين، كنت قائداً لحزب صغير، ملاحق من الجميع وأنا أيضاً انسان قبل كل شيء آخر، أول حرف تعلمته في السياسة تلك الأغنيات القديمة التي جرعتني عطر الأرض، وهي تنهب بي أراضي وشوارع وبيوت..

هذه أشياء.. تفاصيل لملامح وظلال، وروائحها وأطيافها، تستوطن الذاكرة على نحو يصعب إدراكه إدراكاً محدداً.. إنها تلك الحميمية، وذلك الهيام الذي يخالطهما أسف عميق فتصاب العينان بذاك الكساء الحزين.



- إن الانسان يبحث عن الجماعات ليس من أجل الإنجاب وإنما من أجل أن يمتلىء منها، وينفق فيها أثناء حياته ينابيعه الإنسانية التي تظل تضج بين ضلوعه. والذي حصل يابسمة هو بالضبط هذه المصيدة التي كسرت أرجل الجميع وجعلتهم معاقين، فالشعار كان الإنجاب، أما الجنس فكان مضطهداً، ومعيباً، وشائناً، ومحارباً.



- إن خطأنا جميعاً في هذه المنطقة أننا كنا نهيل على الظاهرات عوزنا التاريخي لأشياء أخرى، دون أن نعي ذلك، ثم عندما تتكسر الظاهرة وتنهزم نفجع، ونصيح أنها كسرت أحلامنا .. هكذا تعاملنا مع "عبد الناصر" .. ومع الثورة الفلسطينية ومع جميع الأحزاب التي انخرطنا في حمأة شعاراتها.



- فجأة أحسست برغبة لكتابة رواية أقص بها حكاية حب رجل وامرأة ما، وعندما جلست خلف الطاولة لأباشر الكتابة كان واضحاً بما لايقبل اللبس أن الرجل هو أبي، والمرأة أمي.

فكرت أن أبدأ من النهاية، بحيث أن الرجل لم يقتل ذات يوم ويدفنه الجنود السوريون في مدينة القنيطرة، والمراة لم تمت من العوز في مخيمات النازحين ذات مساء. كان كلاهما أبي وأمي قد شاخا كثيراً...

عودة