- تعتريني رغبة عارمة في البوح .. أريد أن أقول لهم رأيي بصراحة .. أريد أن أكون شجاعاً مرة واحدة في حياتي، ثم ليكن مايكون ..

أحس أني أوشك أن أختنق بما يتجمع في حلقي من كلام .. ولابد أن يخرج هذا الكلام .. كله أو بعضه على الأقل ، حتى أستطيع أن أتنفس تنفساً سليماً لايمازجه الصديد ..



-لم يكلفوا أنفسهم عناء الطرق على الباب حتى يفتح لهم من تلقاء نفسه. آثروا الدخول بطريقة أخرى.. أحس - وهو مستغرق في القراءة - أن القيامة تقوم وتقعد عند باب بيته..

صخب وضوضاء، أشياء ثقيلة كالمقارع تخبط الباب خبطاً عنيفاً تريد أن تحطمه.. نهض من استغراقه مذعوراً ليجد باب البيت يتكسر ويتهاوى تحت وقع الضربات .. وقبل أن يتمكن من التقاط أنفاسه، أو النهوض من مكانه، أو الإحساس إحساساً واعياً بما يجري من حوله، وجدهم فوق رأسه كموت الفجأة..



- هاهو ذا بيتها.. دق قلبه بعنف حتى كاد يسمع دقاته بأذنيه. كيف صار بعد هذه السنين.. إنها اثنتا عشرة، قد تغير كل شيء. ولكن "بديعة" لن يغيرها شيء، لن يمسحه الزمن من قلبها مهما طال. كان على مثل اليقين أنه ممتد في أعماقها مثل النخلة الباسقة، وسوف تخرج إليه بعد قليل - كالعهد بها - أرق من نسائم الصيف، وأعذب من أحلام الطفولة، وأطهر من براءة المواليد.. وفي لحظة سيتدفق بينهما نهر الذكريات، فيتوقف الزمان،



- مازالت المحفظة معي أحمل إصرها منذ سبع سنين، وأما المال الذي كان فيها فقد تصدقت به على الفقراء بعد أن فقدت الأمل في العثور على صاحبها. وضحكت مرة ثانية، فنظروا إليّ متسائلين ماذا أقول لهم؟ لقد بدأت الأضواء الخافتة تتضح لي، وتشع أمام عيني شيئاً فشيئاً..



- أيها الزمن! ليتك ترجع القهقرى. أيتها السنون تجمدي عند عتبات الحارة القديمة، أخرجي أيتها الطفلة باهرة كالشمس، فتانة كانبلاج الصباح..

ليته يعود متسكعاً بين سراديبها المظلمة ينتظر خروج مرشدة ليختلس إليها نظرة تجري النشوة في جوانحه كنهر متدفق غزير، وتحلق به في سماوات البهجة والحلم كما تحلق الطيور من غير قيود ..

عودة