القاضي: قل لي كيف وصلت إلى ميونيخ أيها السيد؟

نضال: ليس مهماً كيف وصلت.. المهم أنني وصلت..‍

القاضي: كم من الزمن استغرقت الرحلة؟

نضال: استغرقت الرحلة، يا سادة، عمري كله..

القاضي: هل تسخر منّا أيها السيّد؟

نضال: أبداً.. هذه هي الحقيقة.. وإن شئت الدقة.. فهي ربع قرن من الزمان..‌‍!

القاضي:لو لم تكن سوى سلحفاة لوصلت في ربع هذه المدة..!

نضال: ما ذنبي إذن، إذا كنتم تصرّون على ألا تعرفوا الحقيقة؟

القاضي: ما دمت حريصاً على قول الحقيقة. قل لنا من هم بقية أفراد العصابة.

نضال: هم مناضلون.. وليسوا عصابة..

القاضي: بسخرية لعلهم ملائكة إذن..!

نضال: هم بشر وحسب. هم أصحاب وطن يطالبون به ويعملون من أجل استعادته.

القاضي: حسناً.. حسناً.. قل لي من هم وحسب.. أسماؤهم.. أعدادهم..

نضال: هم شعب بلادي بأسره..

القاضي: ولكنك جئت إلى هذه البلاد تحمل معك نية القتل على الأقل.. ومخططاً، ومُكلَّفاً من تنظيم ما.. ما معنى هذا كله في رأيك؟.. وقد كانوا مجرد رياضيين لا مقاتلين..

خالد: ولماذا لا يسألون هم عن قتل أطفال فلسطين.. وهم مجرد أطفال.. لماذا لا يأبه أحد لعمليات الإبادة الجماعية للآلاف من النساء والرجال من مختلف الأعمار، على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمان.. مع الفارق النوعي والسببي بين حالتي الاعتداء والدفاع عن النفس..؟

وعن الوطن...؟

القاضي: هاه. والوطن.. ها أنتذا من يسأل المحكمة.

خالد: ولم لا؟ أنتم تتحدثون عن الحرية والديمقراطية.. أو ترانا حالة استثنائية في دنيا البشرية..؟

القاضي: ليس من مصلحتك يا هذا الاسترسال في أسلوبك المراوغ. لهذا أكرر سؤالي. وللمحكمة عليك واجب الإجابة: لماذا أردتم قتل الرياضيين الإسرائيليين..؟

خالد: نحن نعرف أنهم جنود جاءوا بزيّ الرياضيين. ومن حقنا أن نقتص منهم كمجرمي حرب. وأنتم لا شك تذكرون نورنبرغ....

القاضي: ها أنتذا تقرأ التاريخ جيداً.

النائب العام: أليس واضحاً، أيها السادة، أنهم يتعاطفون مع النازيين، أنهم بلا شك لا ساميّون..

خالد: ما أظن حضرة النائب العام يجهل من هم الساميون.. أليسوا نحن أيها السادة.؟ ألسنا ساميين أم ترانا آريين دون أن ندري. أم ترانا جئنا من كوكب آخر.. غنِّها دائماً، تلك الإسطوانة المشروخة لطول استخدامها. ألم يحن الكف عنها حتى بعد انقضاء ربع قرن من الزمان أو يزيد. وبعد أن حققوا عن طريقها الكثير الكثير.. ألم تكن هذه وسيلتهم لخلق ظلم مماثل، بل أشدّ وأقسى على شعب آخر؟ لماذا لا يؤدي وضعنا إلى خلق عقدة ذنب جديدة لدى ذلك الغرب، ما دام هو أيضاً المسبّب لها..؟ تلك الإسطوانة.. إيَّاها..

النائب العام: الهولوكست.. ومعسكرات الاعتقال.. وقتل ملايين اليهود.. هذا كله تسمونه أسطوانة..؟

خالد: أليس هذا تماماً هو ما تصنعونه بنا منذ ثلاثة أو حتى أربعة عقود.. أنتم والإنتداب البريطاني والدعم الغربي بمجمله.. كمهولوكوستاً حل بنا أيها السَّيد: النائب العام.. ولكن معذرة نحن نقتل اليوم بوسائل أكثر حداثة.. وبتقنية متطوَّرة.. يجب أن نشكركم على ذلك..!

القاضي: ماذا أنتم إذن؟ ملائكة؟

ناصر: أقول من جديد لمن في آذانهم وقر: نحن مناضلون من أجل استعادة وطننا وكرامتنا وحقوقنا المسلوبة. هذا سبب رقم واحد.أما السبب الثاني فهو الثأر من مجرمي الحرب الذين اقترفوا من الفظائع والآثام بحق شعبنا مالا مثيل له، ومابرحوا يفعلون ذلك حتى هذه الساعة.

القاضي: قل لي هل قتل لك أحد أيضاً، أنت بالذات؟ مع أن هذا في حد ذاته ليس سبباً وجيهاً لممارسة الإرهاب.

ناصر: لا..

القاضي: إذن لم يكن هناك سبب شخصي يدفعك في هذا الاتجاه..

ناصر: ومتى كان النضال ضد الأعداء لا يتم إلا لأسباب شخصية؟

القاضي: هل تعتقد أن هذه إجابة سليمة؟

ناصر: ماأرى سوى أنكم تتعبون أنفسكم بهذا النوع من الأسئلة. ولكنني أؤكد لكم أنكم سوف تسمعون الجواب ذاته لو سألتم أياً من الملايين الفلسطينية والعربية.

النائب العام : هذا ليس صحيحاً، ياحضرات القضاة، فبين من ذكر معتدلون وعقلانيون..!

ناصر: لهؤلاء صفات أخرى لدى شعبنا. هم على أية حال قلة لا يعتدُّ بها، ولسوف يحاسبهم الشعب يوماً على تفريطهم.. وعقلانيتهم..!

القاضي: لايمكن أن يحدث هذا مالم تكن قد وقعت تحت تأثير من نوع ما.

ناصر: وهؤلاء الذين يقتلون منا كل يوم؟

القاضي: قلت أنهم لا يمتون لك بصلة. يعني أن أحداً من أسرتك لم يصب بسوء.

ناصر: لكنهم هم أسرتي.. ليس شرطاً، ياسادة، ألا يمارس النضال ضد الأعداء إلا لأسباب شخصية. هناك الوطن.. هناك تشردنا.. معاناتنا.. أكثر من ثلثي شعبنا خارج الوطن.. والباقي سجناء داخله..إما في منازلهم تحت عنوان منع التجول.. أو في السجون الإسرائيلية. محرومون من أبسط أسباب الحياة..، العمل، التنقل، التعليم، حتى المياه تقطع عن مزارعهم وبياراتهم كي تجف، وبالتالي يُدفعون إلى الرحيل ليستجلب مستوطنون من كل مكان في الأرض إلى بلادنا التي هم غرباء عنها تماماً... ثم يزعم العدو بعد ذلك أننا رحلنا من تلقاء أنفسنا.. لأننا مجانين كي نفعل ذلك.. ألا يكفي هذا كله ياسادة، حافزاً لنا على القتال حتى الموت؟

عودة