- يا إلهي! أكلهم ينتظرون مثل هذه الفرصة لاقتناصها؟ كم من النساء اضطررن، لأمر ما، أن يقفن أو يسرن وحيدات! كم من أطنان الكلام والغزل يلقى على مسامعهن! كم من الدعوات! كم من الآمال تُعقد على وقوفهن أو سيرهن! كم من الأحلام توقد في خيالات الرجال الحمقى، الحمقى فقط!

كثيراً ما تحدثني بعض صديقاتي عن رجل، أغلق الباب عليهن معه مصادفة، فتنهال الإغراءات: المال، الجاه، القوة. هكذا دون خجل، ودون أن يخطر في بال الرجل، لحظة واحدة، أن يفكر في هذا المخلوق البشري أمامه، في حقها، في حدودها، في حريتها المهدورة، في رغبتها الحقيقية، في رأيها فيه. قد أغلقتْ نزواته منافذ التفكير في رأسه، وأيقظتْ فيه رجولته العطشى، فعمي عليه كل شيء.

وتحدثني بعض صديقاتي عن رجال، يقتنصون لحظات خلوة بهن، فيسردون بعضاً من حياتهم الخاصة، ومشكلاتهم مع زوجاتهم، وعن الظلم الذي يلحق بهم معهن. ولا يخجلون من التعرّض إلى الكلام عن السرير صراحة ودون مواربة.

وتتحدث بعض المطلقات أو الأرامل من صديقاتي، اللواتي وقفن حياتهن على أولادهن، عن رجال من كل الأعمار والمستويات الاجتماعية، لا يرون فيهن سوى صيد سهل، فيعرضون خدماتهم، خدمات بلا حدود، دون مقابل!

- حين لم يجد في جيبه ثمن زهرة حمراء، أحضر بطاقة، ورسم عليها زهرة، وكتب تحتها: أنت أجمل زهرة تضيء كل الفصول جمالاً وبهاء وعطراً.

وحين قدمها لها صمتت، وبقي هو صامتاً، ومازال ينتظر جوابها!

- - تخيلي أني أهديتك، اليوم في عيد الحب، وردة حمراء، نضرة، فوّاحة، وقدمتها إليك قائلاً: كل عام وأنتِ بخير يا حبيبتي!

- وإذا بها تصيح في دهشة: أوه.. إنني لم أر في حياتي أجمل من هذه الوردة الحمراء!

وألقت بنفسها في أحضانه، وهي تبكي!

- اختفت من لوحاتي النساء، واقتصرت على الرجال.

اختفى من كلامي كل الأسماء التي فيها تاء التأنيث، فلم أعد أقول: «أريد تفاحة» أو «برتقالة»، بل أقول: أريد «تفاحاً» و«برتقالاً».

أصبحت أصرّح أنني أحب الليل والقمر والبحر، ويغيب من تصريحاتي أنني أحب الشمس والشجرة والزهرة!

وأخيراً صمتُّ عن كل شيء: لم أعد أقصّ حكايات أو فكاهات أو أخباراً . حلّ بي صمت يائس. واعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد.

لكني فوجئت بها من جديد، تهز رأسها، وهي تنحني نحوي وتقول:

ـ فلتهنأ تلك التي أخذت عقلك، وجعلتك تسكت من أيام لتفكر فيها!

عندها خطر لي أن أكتب إليها هذه الرسالة المفتوحة؛ فقد أقررت بالعجز، وأصبحت أرجو الخلاص بأي ثمن.

وقد يسألني أحد لماذا لا أطلقها، وأنهي كل هذه المشكلات، وأتفرغ لنفسي، ولفنّي فأقول: لقد نسيتُ، منذ البداية ،أن أذكر أني أحبها.. أحبها حباً ملك عليّ كل طريق، وأراها لأمر ما، أجمل نساء الأرض، ولا أستطيع أن أتصور الحياة دونها. وهذه هي مشكلتي الحقيقية. فاسمح لي، عزيزي المحرر، أن أخصّ زوجتي بهذا السطر: « زوجتي الحبيبة.. اعلمي أن كل نساء الأرض لا يستطعن تحويل قلب رجل محبّ عمن يحبّ.. وارحمي عزيز قوم، أحبّ، فتزوج، فذل!».

-قال لها: لم يبق إلا خطوات معدودات، ويتفجّر الدم القاني من اللحم الطري المعطّر. لم يبق إلا لحظات، وتغوص الأظفار المسنونات الزرق في الجسد الحار، وتمزق الأنياب الخلايا والأنسجة. لم يبق إلا خفقات قلب، وتصبحين كومة عظام تذروها رياح العدم!

ومع ذلك .. لم يبق إلا أن تستيقظ فيكِ الحاراتُ الموحلة وتفتح الطفلة، الشقيّة البريئة، ذات الجديلتين، عينيها الرائعتين، وهي تصنع ألعابها بيديها، وتخيط للعبتها الحلوة ثوب الزفاف!

لم يبق إلا أن تتذكري ذلك الكتاب الذي نسيتِ عنوانه، ولم تنسي تلك الفتاة، التي ألقت بنفسها إلى الهاويات السفلى، حتى لا يأخذها الأعداء سبيّة!

لم يبق إلا أن تستعيدي رائحة الشهيد الراحل، الذي لم يكن له خيار آخر غير الموت غيرة على الأرض والشجر والبحر والسماء والأهل والأصحاب. غاب، ولم ينس أن يغرس في أحشائك بذرة نمت، وخرجت للشمس والهواء!

لم يبق ـ أيتها المضبوعة ـ إلا أن يرتطم رأسك الصغير الجميل بصخرة المغارة، ليتفجّر دمك الحيّ، فتفيقي من خدركِ، وتصحي على نفسك عارية في البرية، وتلملمي بقاياك، وتستري عريك بما وصلتْ إليه يداك من أوراق وأزهار وأشواك وتعودي من حيث أتيت! فهل تفعلين؟!

عودة