الصورة غير متوفرة

ـ وفوق المساء المغبـّش برائحة الندى، يراقب"عبدو" حارة "الجلّومّ" بيتاً بيتاً ويطّلع على أسرارها، يرى ماتخبئه عن عيون الناس، يراقب العيون الهائمة، والحزن المستند على النوافذ الداخلية، والأيدي البضّة التي تسقي الأزهار والريحان، والأرجل البيضاء التي خرجت من الثوب المعقوص في الخصر.. يرى عودة الرجال المهدودي الحيل وهم يستلقون في أرض الدار، والنساء تأتي بطشت الماء وتغسل لهم أرجلهم بالماء الساخن كي يحلحل التعب .



ـ وحين دخل في اليوم التالي المدرسة الكواكبية، تلقاه والده على مصطبة الجامع واحتضنه، وقبله من جبينه، والبشر يهلّ من كل وجهه، وقال له أمام جميع المستقبلين: إني مسرور بهذا النجاح الظاهر عليك والذكاء المنبعث من عينيك، ولكني أقرأ على جبهتك مالايسرني في مستقبلك، وبكى.



ـ ولم يرد عليه الكواكبي، لكنه أعطى مريديه بقوله: «الحكومة المستبدة تكون طبعا في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفراش، إلى كنائس الشوارع، ولايكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً.. لأن الأسافل لايهمهم الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته وأنصار لدولته و.. وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه».

عودة