الصورة غير متوفرة

- الليلة الشرهة تعوي في عظامها. يودع البرد سياطه فوق صفحة وجهها. ثمّة مطر غزير، وثمّة عواصف متخمةٍ بالفجاجة تقتلع أوتاد خيمتها، وتصبُّ في قلبها ذعراً لم تستطع مهادنته... تنتفض. تختنق. يتبعثر حطام المرأة في داخلها...

ترى، لماذا غرّر الزمان بها؟.. وكم مضى منه على تلاشي أنفاسها؟.. هل ماتت؟، أم هي في فلك النهاية تدور؟. انتشلت رأسها من القاع. رفعت سحنتها الغارقة في الطين. أسلمت أذنيها لهمهمة مداهمة.تسلّقت عيناها السيقان التي صارت إلى جانبها تحت المظلّة الحجريّة. صاعدت تلاحق أنفاسها. أصدرت اصواتاً وحركاتٍ وجلبة تستجدي شيئاً من العطف، يفضي بها إلى مأوى تبيت فيه. لكنّ المنتظرين لم يكترثوا لوجودها، ولم يمنحها أحد منهم نظرة رفق..أو حتىّ نظرة واقفة على الحياد....

- نسيت اسمه، فقد كان معلّقاً على عمود في الشارع بجانب أسماء مصلوبة هناك.

بعض الحب الذي أرسلته المرأة لم يصل إليه، بعثرته الريح، فتلقّفه الفراغ المنهك، ودخل حيّزاً بعيداً عن قوّة التلقّي بمسافة لم يكن جوّها يحتمل سوى حلم السفر.فوق مقعد خالٍ وسط ردهة المحطة، جلس ينتظر دعوته للرحيل.

- للمجد الطارئ صفات حلم انتظرته، ولم تره إلاّ الآن. ترقبّته دهراً ثمّ أتى، وكانت تظنّه لن يجئ. فتحت عينيها على صباحات مزيّنة بثياب ملوّنة، وقهوة، وهيل. تسربلت في إهاب الوعود، ومضت إلى آفاق خالية من التجاعيد، وغابات بيضاء، بيضاء...

رمت بخيوط/ الغزل/، وبالرفيقات، وبمن أحبّها على قارعة الطريق، ثم مضت إلى فم الثعلب راضية صاغرة.

- تمرّ الأيّام، ترحل السنون، تخلّف وراءها ذكريات، وأحاجي، وحالات متفاوتة المذاق.. فحين وعت زينب رتابة الحياة، وحين وعى رأسها الذي لا يتعب تواتر التلوّن والاستلاب، وعت حاجتها الملحّة للأمنيات، ووضعت أحلامها في مقدّمة المحافل الشتويّة، والصيفيّة، وبقيّة الفصول ... تبني أعشاشاً لآلاف القبّرات، وعرائش متوهجّة بنسائم الحب، وذرى مشرّعة تغري بالصعود، أمنياتها كبيرة، صغيرة، متوسّطة القامات..

- كم مضى من العمر العابر على دروب الحياة، والممزوج بأفانين الرغبة، وهو يغزل أحلامه الواضحة، الغامضة.. والتي لم يكن خياله يتّسع لأكبر منها.. كم كان ينسّق، يرتّب، يبني بيته المقبل، عشّه الزوجي المركون في فضاءات الصباحات والمساءات المعطّرة بالانبهار، والمغسولة بماء الورد، يزرع أملاً يمنحه قوافل عطاء، لا تملكها سوى زوجة رسم لها في ذاكرته نموذجاً معيّناً، لا يتخلّى عن مواصفاته قيد أنمله ؟؟

عودة