الصورة غير متوفرة

ـ ليست المرة الأولى التي أجلس فيها هنا، وليست المرة الأولى التي أرفع رأسي أو ألقي بصري نحو تلك النقطة ذاتها.

سحبت بصري ثانية ، كنت متفاجئة لا أكثر ، لم أكن خائفة، فهذا طبيعي، وهو ما نطلق عليه خداع بصر، أو كما يقال ألاعيب بصر. لكنه مرّ بسرعة كبيرة. كأنه يطير، فقد تزامنت رؤيته مع رفّة هدبي. لكن! كيف لم أره في السابق؟ هذا مقعدي ومن هنا أجول ببصري.

التفتّ إلى الوراء ، كانت الستائر مسدلة، وعلى امتداد الممشى القصير نسبياً أمكنني مشاهدة جزء من غرفة الطعام المفضية للصالون ، هل هو زجاج الخزانة؟ لا أعتقد. إنه رجل حقيقي، كيف حدث ذلك؟ حدث لأن البصر أحياناً يعطي صوراً لا علاقة لها بالحقيقة.

هذا ما حدث، ليس من خيال أو صورة أو تهيؤ. إنه انعكاسات لشيء ما، ربما عكسها تفكيري، أو تعبي، أو قلقي على ابنتي أو ابني .

خرجت إلى الشرفة أستنشق نسمة آتية من فضاء البحر. كانت الشمس في منتصف السماء، الجو ربيعي، الجوري تفتّح عن براعم وردية حمراء، والفتنة تستعد لعطاءاتها الموعودة، مررت على النبتات الموزّعة.

توقّفت عند غصن الدفلى، فوجئت بالحياة تدبّ في أسفل جذعه، وقد ظهرت له جذور قوية ومتشعبّة. ها هو يثبت وجوده. يعلن استمراره، ويتحتّم عليّ منحه الخصوصية والمكان، ليستنشق الهواء بحريّة، ويشرب الماء بعذوبة، فهو الأمل والاستمرار.‏



ـ لماذا أصمت ولا أبحث في الأسباب؟ لماذا لا ينتابني الخوف؟ هل لأن لا علاج لهذه الظواهر إن وجدت حقيقة؟ كان التجاهل والنسيان حليفيّ وصديقيّ، والنهج الذي اتّبعه اللا شعور في عقلي الباطن، وأتساءل الآن: هل هو تناقض أن أؤمن بقوى غيبية تغيّر مجرى حياة كحياة ظافر؟ أو مسيرة شخص ما بطريقة جذرية وبأبسط الطرق؟ ويكون رصيدها أربع أوراق من أشجار الدفلى، فيكتب عليها أرقام وإشارات، ويطلب أو يؤمر، فلا تمرّ الدقائق حتى يلبّى النداء؟ هل هو تناقض أن أوقن بهذا ولا أوقن بأن ما يحدث حولي ليس أمراً عادياً؟ أمر لا أستطيع تفسيره.



ـكل شيء جميل، وكل ما حولي أيضاً، وحين أعود لتلك الحقبة، يوم تغرّبت وتشتت، تنتابني مشاعر لها علاقة بعدم الاستسلام، وبضرورة الوقوف في وجه كل دخيل، وبوجوب المقاومة، وقد أتساءل بطريقة لا تخلو من الاستغراب المشوب بالحذر عن أولئك الدخلاء، الذين شاركوني الحياة وقضّوا مضجعي. كيف جاؤوا؟ وأفكر كيف رحلوا؟ وقد أجيب بأنني أدري، أو أنني لا أدري. أما ما أنا موقنة منه، فهو آخر الكلمات التي استمعت إليها، واستوطنت في نفسي وذاكرتي. كانت "ضرورة التمسك بالأرض" ثم مرة أخرى "ضرورة التمسك بالأرض".‏

عودة