-كل شيء كما كان.. كأن عقدا من الزمن لم يمر..

فيض المحبة والتسامح على الوجوه الطيبة التي شاركتني لحظات طفولتي وصباي..

رائحة الطعام التي أحب، والأثاث المرتب النظيف، هدوء الشرفة الصباحية وورودها.. وزقزقة عصافير الأشجار الباسقة عند طرف الحديقة، تلك الأشجار التي طالما سمعت أمي تقول عنها بكثير من الحنان: عمرها من عمرك..



-تلتقي عيوننا لثوان.. تقرأ هلعي ورفضي التصديق، وأقرأ حزنا ممتزجا بالحرج، وضيق من يود أن تنشق الأرض وتبتلعه، شعرت أنها تمنت لو أنني لم أرها..

دون تفكير سارعت لاحتضانها. لم أكن مهتمة أن أفهم بقدر ماكنت أود أن أبثها أسفي وتعاطفي الشديدين في تلك اللحظة- الأبد..



-كعادتي حين تفيض أحاسيسي وتتشابك أفكاري.. أبحث عن الصفاء الداخلي في دروب دمشق القديمة.. أمشي حتى التعب.. بل حقيقة.. حتى الراحة.

أمضي في الأزقة القديمة .. أتأمل، أرسم، أدون ملاحظاتي، أستغرق، أطأ بعدا عاشرا، وأحلق في نشوة التقاء الفرع بالأصل.

هذه المدينة التي لاتكف عن إدهاشي، وأزداد كل يوم عشقا لها وامتلاء يتفاصيلها، فلاأمل تأمل كل مافيها... أنا من يسكنها أم هي من يسكنني؟



-أغرق داخل الكرسي.. أدفع ظهري للوراء.. ألقي بقدمي فوق المكتب.. نفس عميق.. أدعني أسترخي.. وأتأمل في أسرار الموسيقى.. الكون الذي يوحد المخلوقات.. عجيب كيف تتخطى الزمان والمكان ليطال سحرها كل الكائنات.. تخاطب أرقى مافيهم وتصل بينهم بلغة عالمية تترفع عن اختلاف اللغات.. وتستوعب كل المناسبات.. الأفراح والأحزان.. السلم والحرب، صخب أماكن اللهو وخشوع دور العبادة، أما كان الفارابي بألحانه يضحك الناس ويبكيهم في لحظات تليها؟

عودة