كأن الأربعين.. دهرٌ، الدهر عند النساء.. لحظةٌ، يومُ زفافٍ، تسعةُ شهورٍ، طفلٌ.. دهرنا تفاصيل، التفاصيل.. أنوثتنا.

مأثرتنا المعترف بها، دونما لَبْسٍ.. أمومتنا.

كل ما عدا ذاك، مُحَاطٌ بإشارات الاستفهام، بحقول التعجُّب، بِنِصَال الريبة:

الهواء من حولنا.. ارتيابْ.

رحيق زهرة حين نتنهَّد، التفاتةٌ من غير قصدٍ، مُزَاحنا البريء، عُرْوة تراخت من ضحكاتنا في قمصاننا!.

الأخطر.. ارتجافنا من وَهْلة الحب، اشتعالنا فتنةً، كهرباءُ رغباتنا، رعشات الحياة فينا.

الاعتيادي.. صورتنا من غير ظلٍّ وصوت، موتنا البطيء من فَرْطِ الحساسية.

- ارتجف قلبي مرتين.. الأولى، اتركوها لي لحظةَ عطرٍ، تُهَفْهِفُ بها جديلتايَ على درجات مراهقتي، أمي بغريزةِ المرأة شمَّتْ رائحَةَ العطر فَجَرَّتني إلى الحَمَّام، جَرَّدتني من ثيابي.. تحت لَسْعِ الماء أخذتْ تُزِيل العطر بالصابون وتضربني فأبكي.. ثم تضربني وتبكي!.

ارتجف قلبي مرتين.. الثانية، حين دفعتني من تردُّدي يدٌ من خلف الكواليس، تجمَّدتُ واقفةً في مُنْتَصَفَ الخشبة داخلَ بقعةِ ضوء.

- وحدي.. كنتُ دليلَ أُلْفَةٍ في أسبوعٍ قصيرٍ من العسل.

وحدي.. كنتُ أَنسلُّ إليه، بعد نومها، لأندسَّ في فراشه الأبويَّ، كان يدسُّ في حقيبتي هداياه.. زجاجةَ عطرٍ على شكل قلبٍ، قلمَ شفاه، كتباً وروايات.. كأنه يفعل ما لم يستطعه مع أمي، ما لم يفعله معي هذا الحميد.. لستُ طيفاً، فَلْيَلْمَسْنِي حميدٌ من يديّ، كأنما.. كلُّ الذين حولي في مسرح المدينة رجال مَخْصِيُّون.. لم تَعُد عيناه تتلصَّصان عليَّ من خلف الستائر، ما التفت أحدٌ لدمعتي عالقة على رموش المرآة في غرفة ملابسي، كَسَرْتُهَا.. تناثر وجهي شظايا من البللور، هجستُ برجلٍ يُدْمِيني، يركض في حاراتي المغسولة لِتَوِّها بالمطر..

- ضحكتُ حتى لامَسْتُهُ، شدَّني من يدي كاسراً طوقَ العيون، دوائرُ الأفواه حولنا فَاغِرَةٌ من الدهشة.. كأنها لم تر اثنين يضحكان في ساحةٍ هكذا، سوى في الأفلام!.

عبرنا الساحة ركضاً.. أصابعنا تتشابك.

ثم كأن قيساً يقرؤني من أصابعي التي بين أصابعه، همس ونحن نعبر ممرَّ المشاة:

- أتعتقدين أن ابن زيدون قد مات؟!!.

يكتفي قيس بتلميحاته.. يُهديني قصائد غيره، وهو الشاعر، أكثر أقرانه مُشَاركةً في أمسيات الجامعة.. يُغيظني أنه لم يقرأ قصيدة لي، كَتَبَهَا لأجلي، مُبْتَهِلاً، بتضرّع، يطلب قلبي بأيّ ثمنٍ، أو... يموتَ دونه!.

عودة