- أكثر ما أقلقها ، تماهي زاهية وذوبانها في هيكل امرأة صغيرة خانعة ، تدور حولها ليّنة طيّعة ، مستعيرة صبر أمها و وجهها الملتبس ، المحمي بعينين مضللتين ، مموهتين بسحر الحب و الكراهية معاً .

تترجاها ، حين تنفرد بها ، أن تنسى ما حدث . هي المتضررة منه ، نسيت . سامحتها بالعقد و غفرت لها فورة جنونها التي قادتها إلى عرج أبدي ، مقابل أن ترتد عن لغزيتها ، أن توقف سفر عينيها الكئيبتين . ترد زاهية بابتسامة باردة صماء تذهب بعقلها و تذهبها في نوبة صمت هزياني مكرب ، لا ينقذها منه غير التعب من شدة الإهتزاز ، و غفوة قصيرة تؤجل عذابها .



- السيدة زاهية تحسبها على الشكل الآتي : بين هاجر و بينها لم يبق من الأحياء سوى شهاب و علي اسكندر . و كونها لاتفكر أبداً بموت علي اسكندر ، ولا ترى أن شهاب جاهزاً له في الوقت القريب، ولا حتى في أي وقت !! ذلك يعني أن دورها قد آن ، دورها الزمني ، بالطبع . و هذا أمر مخيف لمن يفكر فيه ، مجرد تفكير ، على الأقل باعث للقنوط و الهجس .

السيدة زاهية تراهن على الهناء ، على استعادة الحياة بشكلها الذي تحب ، و قد رمت رميتها . رميتها الأخيرة و النهائية ، فإما أن تصيب و عندها سيسبقها إلى الموت حتى الأطفال الذين لم يولدوا بعد !! أو تخيب ، و هذا ما لا تريد التفكير به الآن .



- أحس علي اسكندر بالانضغاط . بدا مسروراً من هذا الشعور. فالهشاشة وجود بلا معنى ، زائد و غير مبرر ، يبدد طاقة الفعل. كل ما ليس له لزوم يجب أن يختفي . أن ينمحي ، من الآن فصاعداً ، كلياً و نهائياً .الانضغاط يحقق فعالية القوة بحدودها القصوى ، بشكلها التدميري الذي يستبطنه العقل !

انفتح فم علي اسكندر و هو يتلقى أولى موجات الكثافة . الألم المجهول و طقطقات الدمج الداخلي ، جعلت الانضغاط حقيقة حسية ، كلية الوقوع في وعيه . و تواصل شعوره التصعيدي بالانضغاط ، فكان يقصر و يضيق و ينضغط ، هكذا حتى انتهى إلى نقطة !! علي اسكندر ، كله صار نقطة، بتاريخه ، بعواطفه ، بحواسه و كل وقائع وجوده ، انضغط إلى نقطة . عجينة جسده ، كلها صارت نقطة . نقطة حيوية ، متوترة ، منتقمة .



- حالة مرتبطة بحنين دافىء، في شكله العام ، قوي ، لنعيم ناء بعيد ، بات على طول بعده يرى مشفى من لوثات الشقاوة ، سادي في بنيته و شدة تأثيره ، مهين يحللها من كل رصانتها و يفتك بهيبة مقامها البهي . إدمان ، نعم إنه إدمان ، إدمان حقيقي على شوق يائس ، غامض و ربما غير مبرر لكنه مفعم باللذة ، لذة خاصة ، لذة أصيلة استولدتلها تفرعات سرية ترفع درجة الاستمتاع إلى ما يفوق طاقة اليأس ذاتها . تللك الحالة الآن جردت موجها العالي ، محاولة سحب زاهية إلى المكان الأكثر حميمية !

عودة