علقت السيارة الضوظوطو المجنحة في الوحل ووقتها التفت صاحبها وسائقها أبو الخير حداد نحو أفراد الشلة الموزعين على المقاعد وقال لهم عبارة ذات أصل تركي وهي السيارة ياشباب بطقت أي علقت عجلاتها في البطق يعني في الوحل.

ووقتها ظهرت على بطل سيرتنا الرقيق مثل عود الريحان أبي سامر كل معالم الغيظ والقهر والسخرية فقال:‏

أنعم وأكرم! الله يرحم الحاج محمد ضوظوطو الكبير الذي خلف لأحفاده هذه الخلفة العاطلة وصدر لنا سيارته التي تشبه الصاروخ ومع ذلك سرعان ما تبطق, ولكن الحق ليس على الضوظوطو فهي بالأساس مصممة لكي تسير في شوارع وطرقات أكثر استواء من خد بنت الأربعة عشرة, لالكي تسير في البطق, الحق على هذا الأهبل قليل التربية المدعو أبو سامر الذي سمع كلامكم ورضخ لتهديداتكم ورافقكم في هذه الرحلة الغريبة, بودي أفهم لماذا نذهب إلى قرية الشيخ حسن في هذا الجو العاصف.‏

أجابه أبوفيصل الهارونة بصوته الذي يشبه عملية طحن البرغل في الرحى:‏

غريبة منك ياأبا سامر كأنك بجد لا تعلم لماذا نحن ذاهبون إلى قرية الشيخ حسن? أخونا أبو ابراهيم مختار الشيخ حسن أرسل لنا من دعانا إلى وليمة مطنطنة تتألف من كبش غنم أقرن ومنسف نصفه مملوء بالفريكة ونصفه الآخر مملوء بالرز وفوقه عشرون سنتمتراً من القلوبات المحمصة بالسمن العربي وسطل شنينة يكفي إذا سفحته على الأرض لكي يجري وكأنه ساقية وبعدها نسهر ونشرب الشاي وننبسط.‏

قال أبو سامر وقد ارتفعت نسبة المسخرة لديه:‏

ياشباب أنا خدامكم الآن في هذه اللحظة التاريخية خطرت لي فكرة تأخذ العقل وهي أنه كان جديراً بنا أن نأتي مع أبي الخير حداد في الضوظوطو وحدنا ونترك أخانا أبا فيصل في ادلب فإذا وصلنا إلى قرية الشيخ حسن بالسلامة نرفع له من رأس المنسف أفضل كردوش لحم وأفضل تشكيلة من الرز والفريكة والقلوبات وبيدونة نملؤها بالشنينة خصيصاً لأجله, ونحضرها له في طريق عودتنا ونقدمها لكي يتناولها وهو متربع على الأريكة في بيته ينعم بالدفء والأمان وراحة البال وكان أكبر خطأ ارتكبناه هو أننا اصطحبناه معنا إلى هنا في هذا الطقس المخيف فلو أن الضوظوطو المحترمة انقلبت بنا من شدة البطق وقتلنا عن بكرة أبينا ماذا سيحصل?‏

سأله أبو عبدو الميشري:‏

ماذا سيحصل?‏

قال: سيختل ميزان العدالة اختلالاً كبيراً فحينما نقتل أنا وأنت وهو لن يتكبد المجتمع الادلبي والسوري والعربي خسارة كبيرة لأن النساء حبالات جيابات وفي كل يوم يلدن من موديلاتنا وماركاتنا المئات, بل الألوف ولكن هل يعقل أن تلد امرأة ما إنساناً يمتلك مثل ذكاء أخينا أبي فيصل الهارونة? أصلاً هو عبارة عن قطعة نفيسة وفردة ليس لها أخت.‏

عرف أبو فيصل أن أبا سامر يتمسخر عليه ومع ذلك لم تهتز فيه شعرة وقال لأبي سامر:‏

الآن حينما سيسمع الله دعائي ويرسل إلينا سيارة شاحنة أو تركتوراً يشحط سيارتنا ويوصلنا سالمين إلى قرية الشيخ حسن ونجلس حول منسف الطعام ونباشر بتمليص اللحم وشرب الشنينة سننسى ما قاسيناه من برد وسيجف البلل الذي لحق بثيابنا حينما سنعرضها إلى حرارة مدفأة الحطب التي تتوسط مضافة أبي ابراهيم ووقتها ستحمد الله على أنك جئت معنا, وستندم لأنك تتأفف وتتذمر.‏

قال أبو سامر: ألم أقل لكم إنه ذكي? ياأخي هذا ليس ابن دنيا ولاشك بأن الله تعالى سيقصف عمره عما قريب بسبب هذا الذكاء الفائض عن الحد الذي يمتلكه. ثم قال لأبي فيصل: يا رجل أصلاً أنا إنسان لا آكل الدسم وكما ترى بطني عالق بظهري من فرط النحافة, وإذا غامرت وأكلت فإنني آكل قطعة صغيرة من الهبرة البعيدة جداً عن المناطق المدهنة وأما حضرتك والشباب مثلك طبعاً فإنكم ستأكلون الكبش وما حوله, وإذا لم يبتعد أبو ابراهيم من مرمى أسنانكم فلربما أكلتموه! فإذا لم يستجب سبحانه وتعالى لدعائك بالانقاذ ومتنا أقصد استشهدنا هنا من شدة البرد فأنتم تستشهدون في سبيل كروشكم وأما أنا فسأذهب كصوت ضعيف في سوق النحاسين وحسبي الله ونعم الوكيل

عودة