-أنا المهووس بعدّ طوابق البنايات، تستدير الأبنية العالية نحوي وتعرض شرفاتها ونوافذها كعارضات الأزياء، وينشغل نظري صعوداً وهبوطاً.‏

-الغرفة ورائي ملأى بصمت كثيف يذكرني بليل المقابر، أنا الميت الحي، والغرفة قبر بارد واسع. يدفعني الصمت فأخرج، أهبط درجات عدة قبل أن ألتحم بشارع واسع صاخب لأصير مفردة من مفرداته.‏

-الشمس غربت واختفت، لكن بقايا أشعتها مازالت تمسح الشرفات والسطوح العالية، فتنقسم الأشياء الناهضة قسمين، معتم ومضاء. الأفق الغربي يختفي، كل الآفاق هنا تختفي خلف مكعبات إسمنتية مرتفعة.‏

-أحاول الخروج عبر الزجاج المغبش، أخرج أحياناً فيعيدني صديقي إليه. هو لم يجرب الخروج كما أفعل، لا يعرف متعة التسلل إلى الفتيات العابرات فوق الرصيف المرتفع قليلاً عن مستوى أرض المقهى، فتكون أقدام المارة بمستوى رؤوس الجالسين هنا، أو أدنى بقليل.‏

-للحظة بدا لي التناقض جلياً، ينهض أمامي ويصفعني، تناقض بيني وبين عنتر، بين لعناتي وبركاته. نهضت مكفهراً، استأذنت ومضيت، خرجت على عجل تاركاً الدهشة على وجه عنتر.‏

استسلمت لأرصفة تتّسع حيناً وتضيق أحياناً، يداي مضمومتان في جيبيّ سترتي، أمشي ببطء منكس الرأس. النسمات الباردة تلسع الناس فيسرعون، وأبقى بطيئاً. تعجبني حدّة اللسعات الباردة،

-انهمر فرح غسل القلب والروح، كدت أبكي وهي تحتضنني كطفل يتيم صبيحة العيد. ضمّت رأسي إلى صدرها ومشت بي، أجلستني قربها دون كلام، قرّبت الطاولة إلينا، بينما رأسي راقد في حضنها، ويدي تتسلل لتمسح ساقين خلتهما عاريتين على الرغم من البنطال السميك الذي يلاحق رغباتي ويصدّها. لكن الوضع مختلف الآن. متعة لا تعادلها متعة حين تشقّ لرغبتك طريقاً إلى التحقق.‏

قذفت الكتاب معتذراً من سيدنا بوذا، هذه الليلة لي وحدي، فلينتظر بوذا ليلة أخرى، ولتنتظر الأرض المطر على عطش ليلة أخرى.

عودة