«وفي مواجهة الملك "لقمان" جلس الملكان "نذير الزلازل" و"قاهر الموت" والملكتان "شمس الربيع" و"هدباء الجفون"، وما أن شرب الجميع الأنخاب إحتفاء باللقاء وفرحاً بالمعجزة التي حدثت للمرة الأولى منذ بدء الخليقة حتى بادر ملك الملوك إلى طلب كلمة من الملك "لقمان" يوضح فيها ما جرى وثنى على طلبه الملوك والملكات… نهض الملك "لقمان" وشرع يتحدث ليسمع صوته في كافة أرجاء الروض وليفهمه الجن والأنس على إختلاف لغاتهم ومذاهبهم وأديانهم: أيها الأحبة من أبناء الجن والأنس من أعماق قلبي وبكل جوانحي وأسمى مشاعري أشكر لكم وقفتكم العظيمة معي ومع الله، وأحيي فيكم إرادتكم التي لا تقهر، وصدق مشاعركم، ونبل عطائكم ، وقدرتكم الفائقة على الخلق، وتضافر قواكم مع قوى الله! إن معجزة إحياء الموتى التي تمت هذا اليوم لأكبر من أن تعبر عنها الكلمات وتوضح معانيها و دلالاتها، فما قيمة الكلمة أمام عظمة الحدث وروعة الحياة وهي تعود إلى ملايين الموتى ليندفعوا بأجسامهم من الماء كما تنطلق الرماح، ما جدوى الكلام أمام فرحة الأطفال بآبائهم وأمهاتهم والآباء والأمهات بأبنائهم، والزوجات بأزواجهن والأخوات بأخوتهن، فهل يمكن للكلمة أن تعبر عن هذا الفرح، وتسمو بهذا النشيد؟»





«إنثنى الملك "لقمان" على الفور هابطاً إلى الأرض وجثا لأول مرة منذ ثلاثين عاماً على ركبتيه واضعاً يديه فوقهما، شاخصاً بعينيه إلى السماء، فهبط خلفه الملايين وجثوا على ركبهم و فعلوا كما فعل، إنس وجن فعلوا على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم… وحين خفض بصره خفض الملايين أبصارهم، وراحت العيون كل العيون، عيون الإنس والجن ، تنظر إليه آملة كلمة منه، فهتف وعيناه تغرورقان بالدموع: حين لا يكون هناك إله، فليس ثمة إلا الله».





«حل الظلام في أعماق البحر، فأنيرت الأقمار والقناديل والنجوم التي تضيء فضاء المدينة السفلية، وقد دعا الملك "هاروت" الملك "لقمان" ومرافقيه إلى وليمة في أعماق المحيط، قادهم إلى الروض الذي سيقام فيه الحفل عبر أحياء المدينة التي بدت قلاعها وقصورها آية من آيات الجمال، بأبراجها المتعددة وشرفاتها ذات الأقواس وقناديلها وأقمارها ونجومها المضيئة المشعة، متعددة الألوان والأشكال، التي كانت تعوم فوق المدينة وبين الأحياء المائية، وكانت الصخور والزهور المرجانية والنباتات والورود ذات الأشكال البديعة المختلفة تمتد على جانبي الطريق الذي سلكوه إلى الروض فيما كانت حوريات البحر تسبح أمامهم ومن فوقهم، مبديات براعة فائقة وهن يرسمن بأجسادهن لوحات جمالية أخاذة تسحر العقول».



«كان الكوكب هائل الحجم وتكسوه الغابات وتكثر فيه الأنهار والينابيع والمحيطات، لكن لم يبدو عليه ما يشير إلى أي حضارة بشرية بل لم يكن هناك ما يشير إلى بشر متطورين، فحين هبطت المركبة إلى إرتفاعات متوسطة من الكوكب، نظر الملك "لقمان" عبر منظار مقرب فرأى في الغابات كائنات أقرب في شكلها إلى القرود منها إلى البشر كانت تتصارع فيما بينها كما تتصارع الوحوش غير أن بعضها كان يستخدم عصياً من أغصان الأشجار أو يضرب بالحجارة فطلب الملك إلى قائد المركبة أن يهبط أكثر ليقترب من إحدى الغابات الكبيرة ويحلق فوقها».



«كانت الأجرام تقترب على خط هائل يبلغ مئات السنين الضوئية، وما أن قطع الرائد مسافة تقارب خمس سنين ضوئية متجاوزاً بعض الكواكب العملاقة حتى وجد أمامه عالماً آخر يعج بالكواكب والنجوم والشهب والنيازك والأقمار والمذنبات الهائلة متقاربة المسافات فيما بينها فأدرك أنه لا جدوى من الإستمرار في هذا الإتجاه دون اللجوء إلى تخفيف السرعة لتلافي التصادم معها».



«رأيت حلماً رهيباً شاهدت نفسي في حضرة الله والنبي "محمد" و"يسوع" المسيح و"مريم" العذراء و"عشتاروت" و"إيل" و"رع" و"آبسو" و"مردوخ" و"زيوس" ومئات الألهة والأنبياء، تجولت في العوالم السفلية والعلوية، قابلت آلاف العظماء والمفكرين من الفلاسفة والأدباء والعلماء، شاهدت الجنة والنار شاهدت أكواناً غير كوننا فيها بشر متقدمون علينا بآلاف السنين… ويعيشون في رفاه عظيم، وشاهدت أكواناً عجيبة متخلفة عنا يحكمها آلهة لا يرحمون، خضت معهم حروباً مهولة، شاهدت ملايين الأسماك الطائرة في فضاء ما، وشاهدت خيولاً طائرة يركبها الملائكة، وشاهدت ظباء يركبون الشياطين».

عودة