1ابعت "حنان" الفيلم بسعادة وكأنها وجدت كنزا ثمينا لم تكن تعرف قيمته عندما قامت بتصويره ولكنه الآن أصبح لا يقدر بثمن

لأنه المصدر الوحيد لعزائها الروحي والطريق الوحيد لتقريب المسافات بينها وبين أولادها وزوجها الذين فصلتها عنهم

جبال من السنين استغنوا فيها عن خدماتها، ولم يعد يجمعهم معا ولا حتى طاولة الطعام أو فنجان القهوة..

تمنت "حنان" أن تضمهم إلى صدرها وتعانقهم وتشم رائحتهم وتقبلهم، ولكن التمني لا يمكن أن يصبح واقعا حتى لو بكينا دما

بدل الدموع، ولو سهرنا الليالي ونحن نقيم الصلوات ونرفع الدعوات، لن يعود إلينا الماضي الجميل وان كنا لا نعرف ونحن

تعيشه أنه جميل وأننا سعداء به.. فلو علمنا الغيب لاخترنا الواقع.

ولكن الأسف يكمن في أننا لانعرف ذلك إلا بعد أن تحمل السنين حقائبها وتغادرنا إلى غير رجعة، جارة معها بقايا إنسان

راح الجميع يهرب منه ليبقى وحيدا مع ذكرياته ومع بقايا صوره.

2-كان جسدي يستنكر هذا المهرجان الحافل بالحب من دون حبيب، وبدأت أنتفض اضطرابا والجميع ينتفض طربا.

أحسستهم يرقصون فوق حطام قلبي وهم يبعدونني عنه بسياط رجال الدرك عندما يضربون كلبا جربا ليبتعد

عن موكب القائد... ولفظتني جحافلهم وهم يركضون خلفه عندما خرج من المسرح إلى أن مر أمامي.

وانتظرت أن تلتقط عيني عينيه ولكن عينه مرت من أمامي ونظرت إلي وكأنها لا تراني.

عندها توقفت حواسي جميعا دفعة واحدة. وفقدت السمع والبصر، وتوقف قلبي عن النبض وتسمرت رجلاي في المكان.

مر الجميع وتركوني وحيدة داخل القاعة أتذكر أين كان الحلم وأين هي الحقيقة.

نظر إلي زوجي، وربما أشفق على مشاعري ولكنه لم ينطق بحرف بل أمسك يدي بحنان ومشينا إلى الباب بهدوء،

وأمسكت يد زوجي بقوة، ووضعت رأسي على كتفه، وخرجنا دون أن نلتفت إلى أحد فهو الحقيقة الوحيدة في حياتي.

3-كان "نور" ينتظرني بجانب الباب وعندما خرجت وقلت له بمرح إنني جاهزة لكي ننطلق إلى موعدنا، وانتظرت

أن ينظر إلي ويصفر إعجابا ولكنه لم يرفع نظره وانشغل بالبحث عن مفاتيح السيارة وعلبة الدخان والقداحة.

قلت في نفسي ربما سينتبه لي عندما يفتح باب المنزل ويخرجني قبله، ولكنه فتح باب المنزل وخرج ونزل الدرج

وأنا أمشي خلفه كخادم مطيع.

قلت في نفسي سأسرع الخطا حتى لا أتركه ينتظرني عندما سيفتح لي باب السيارة ويختلس النظر إلى ساقي عندما

تكشف التنورة عن تآزرهما السريع، ولكنه سبقني وأدار السيارة بصمت حاولت اختراقه بالبحث عن أغنية في المذياع

ولكن الأغنية لم تعجبه، فكبس زر المسجل وهو يستنكر كيف أستطيع سماع هذه النوعية من الأغاني.

حاولت أن ألمس يده التي كانت تمر من جانب يدي ولكنه سحبها كأنها يد فتاة عذراء لم يقتحمها الحب قائلا:

شبك عم تتولدني!!

فتمالكت نفسي وسحبت يدي الآثمة سريعا وأمسكتها بيدى الأخرى، وجلست هادئة دون حراك أستمع إلى شريطه المعتاد-

منوعات لأم كلثوم- الذي أصبح بعد سنوات من تكراره أقل إثارة من دعاية مملة لمنتج هابط.

وصلنا المكان ونزلنا من السيارة، سبقني هو كعادته وتركني ألحق به، دخلنا المطعم وجلسنا إلى الطاولة، هو في مواجهة الباب

والطاولات الأخرى، وأنا في مواجهة الحائط.

عودة