-و ها أنت تسبر أغوار العتمة و الصمت ، تستصرخ الأموات ، فيخونك الحدس و تخونك الذاكرة ، أي وقت ذاك الذي سيتكفّل بإبقائك حيّاً حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود لتستدل على ما تريد ، و عند ذاك عليك ان تعلن من منكما الحيّ ، و من هو الذي مات بالأمس القريب ! ...أي ضياع يلف هذا الميت ، لم تعثر عليه في مماته ، كما لم يعثر عليك الحظ في حياته ، مجهول الإقامة مثلك تماماً و تخشى أن يكون الميت أنت !!

-مرّات كثيرة يستحيل الجنون إلى مسكن فعال و سريع التأثير في النفس ،... هي ليست المرة الأولى التي أكسر بها كأساً أو صحناً .. او حتى قلباً... فقط لأطفىء شيئاً ممّا يحترق بداخلي ! ... و أحياناً أصرخ بملء صوتي حتى تدمع عيناي ، و كانت النتيجة ان استأصلت لوزتي بعمل جراحي ، و لم أستأصل الأكف الخفية التي تستعذب خنقي !! ..

-عندما كنت في الثانوية ، قرأ معلم اللغة العربية على أحد دفاتري :

نحن سكان العالم الرابع ، أصحاب الدخل المفقود ، نسير بخطاً مباركة نحو الأمية ، تخنقنا المداخن الشاهقة ، فنزداد فقراً ، لكنا لا نزال نملك حرية التنفس !

عندها قهقه المعلم بصوت عال ٍ ، و مضى يصحح لي أخطاء الإملاء فيما كتبت ، بلهجة ساخرة ، لا يدري أني كنت أعني تماماً ما كتبت .

-حبيبتي أحتاجك بمعنى الحاجة ، تعالي لتكسري عني طوق الوحدة و الجليد .

التوقيع : المخلص

ذات شتاء بارد ، خارج الوقت و التاريخ .

ارتجفت أوصالها ، تكورت بجسدها النحيل على الباب ، مجدداً تأملت الرسالة ، لون الحبر الأسود لم يختلف كثيراً عن لون ثيابها ، و شعرها ، و الدنيا من حولها ! سحبت نفساً عميقاً كمن أفاق من صدمة ليست متوقعة ، ثم انتصبت لتسير بخطا وئيدة متهالكة على أول كرسي في الصالون .

عودة