«مرت الأيام وتتالت الأعياد وأم "عرب" لا تزال تزداد مهارة في صناعة الصابون وزيادة إنتاجه، وبخاصة بعد أن وجدت منفذاً لتصريف كل ما تصنع في سوق "البزورية" بواسطة الحاج أبو "صادق" ودكانه المتخصص ببيع هذه السلع التي كثر الإقبال عليها بعد أن عكف الناس عن إستخدام الشنان والمنظفات البدائية الأخرى. لذا إستعانة "نجلاء" بجهد أختيها إضافة إلى إستخدام بعض العاملات المأجورات، وكذلك لفتن صهريها أبو "حاتم" وأبو "درويش" في عملية نقل المنتوج إلى السوق ومسك دفاتر الحسابات… ومع ذلك رغم قيامها بكل هذا الجهد و أم "عرب" لم تنسى أبداً موعد سنوية أمها، وها هي تجلس الآن مع من دعتهم لسنوية أم "عجاج" السابعة وقد وزعت عليهن أجزاء ختمة القرآن الكريم كالعادة، وفي نهاية كل ختمة سنوية يتلو الجميع سورة "ياسين" قراءة جهرية جماعية، وتختم جلسة ما بعد الطعام بقراءة اللائحة التي تهدى إلى روح الفاضة أم "عجاج" رحمها الله».



«أمضى "عجاج" جزءاً من الليل يفكر في كيفية حصوله على بندقية أية بندقية، وتأتي الفكرة ويجد الحل لمعضلته، ينسحب "عجاج" من فراشه ويخرج متستراً بظلمة الليل ويمشي في الطريق تحت وطأة أمطار غزيرة… وصل إلى منطقة "البحصة" في "دمشق" التي يسكنها عدد كبير من عساكر "السنغال" الفرنسيين مع عائلاتهم كمن في دهليز عمارة معتم. الوقت متأخر من الليل والسكون يعم المكان إلا من صوت الأمطار الغزيرة… إلتف "عجاج" بعباءته وإستلقى على أرض الدهليز وعينيه إلى الطريق بحيث إن رآه أحد المارة يحسبه فقيراً أنهكه التعب وفاجئه المطر، إتجه إلى الدهليز وتظاهر بالنوم وبينما هو على حاله سمع وقع أقدام ثقيلة فأيقن أنها لجندي قادم نحوه، نظر إليه وهو لا يزال بعيداً عنه وتأكد أنه أحد جنود "السنغال" كما تأكد من وجود البندقية المعلقة على كتفه وكأن القدر قد أرسل به ليحقق حلم "عجاج" بالبندقية».



«الله يلعن الشيطان، شفت بمنامي عم بطعن سنغالي بالخنجر، وعم خلصه بارودته. أما هو قوص علي وصابني بكتفي، الله وكيلك كتفي هلأ واجعني كأن هالمنام من حأ وحئيئ»



«يا "يسرى" يا بنت أمك وأبوك

ياغالية أديش تعبوا حتى ربوك

ياعروسة بالماس والذهب كللوك

وعلى طبأ فضة للعريس أدموك

لا تفكري يا "يسرى" بالرخيص باعوك

إنت الجوهر ولإبن عمتك جوزوك»



«وبالفعل وقعت "فرنسا" مع "تركيا" إتفاقية سرية تقضي بضم لواء "إسكندرون" إلى "تركيا"، وبعد أيام من تنفيذ هذه الجريمة بحق "سورية" قامت الحرب العالمية الثانية، هنا تراجعت "فرنسا" عن تنفيذ بنود هذه المعاهدة السورية الفرنسية المنعقدة عام /1936/ وأخضعت البلاد للحكم العسكري، فشدد ت الرقابة وفرضت الضرائب الجائرة، فإستشرى الغلاء وضعفت قيمة الليرة السورية، المرتبطة بالمالية الفرنسية، وتعطلت المصالح الإقتصادية في البلاد».



«ومرت الأيام ووصلت أم "عرب" في عمرها الرشيد إلى سنتها السادسة والثمانين، وبينما كانت تنتقل في غرفتها تعثرت قدمها ووقعت، ولما كانت مصابة بهشاشة شديدة في العظام كسر عظم حوضها مما اضطرها للإستلقاء، ولم تعد تقوى على الوقوف أو المسير».

عودة