- كانت قد مرت أعوام طويلة أغرقت كل شيء في النسيان ، فلا أدري كيف انتشلني الحلم من جديد إلى عهد مضى يتلامح من بعيد خلف تلال العمر، وجدت نفسي معهم ، الأخوة وأبناء العم ، أعمارنا جميعا لم تتجاوز الخامسة عشرة إلا يحيى فقد تجاوزنا بسنوات ،وجدته جميل الوجه يزهو بصحة في الروح والجسد ، هذه المرة لم نكن في القاعة القبلية حوله ، أو في المقبرة كعادتنا أيام الشقاوة،بل قي حديقة مليئة بالأشجارودغلات الورد.



- في ذلك الصباح الحار صحا "شمس الدين" من حلم ساخن ألهب رأسه وأغرق ماتحت فراشه بعرق سخي ، ومع صوت شوكت يتردد في أنحاء الدار ، وفي تلك اللحظات فحسب شعر أنه فقد يحيى حقا، إلى ذلك الحين كان مازال يقول : لابد أن يعود يحيى إلينا ، لايمكن أن يتركنا لأفلامنا وأحلامنا وينفض يده من كل شيء.

سينسى القبو وقصته المسمومة ، سينسى الزغنون وعيونه الصفر ، لكن الحلم إياه قضى على كل أمل ، كان أشبه بكابوس بدأ أول الأمر حلما عذبا ينتشي باللهو والفرح لكنه انتهى بفجيعة، فنهض من ظلماته بعيون رطبة .



-خرجت النسوة بعيد الظهر إلى حمام السوق ، أعددن العدة كمافي كل أسبوع وخرجن تباعا ، أما الصبية فقد عادوا من ألعاب المقبرة والتهمو سريعا ما تُرك لهم من زوادة الحمام .

تسابقو في التهام اللقيمات و"يحيى" يسدد نحوهم عيونا ذابلة ويرمقهم بصمت ، ثم خرجوا ثانية إلى مقبرة العرابي يلاحقون الكلاب إلى داخل الحفر في أطراف القبور الخربة.ظل يحيى في البيت حتى وقت العصر وحيدا مع القط الكموني يستلقي عند أقدام الجدة الكبيرة "أسوم" وحيدا استكان على كرسيه مطرقا ، رفع رأسه ومسح بعينيه الدار المسورة بالقرميد الأحمر ، راقب العصافير وهي تنسرب بخفة في الشقوق العالية .



-بات قبر "يحيى" ليلتين ينتظر ساكنه الجديد ، في الليلة الثالثة كان قد آزف الترحل ، ففي آخرها أصبح جسده كالجحيم ، يكب سطول ماء يغلي ، وارتفع أذان الفجر فأنصت يحيى وابتسم ، وابيض وجهه حتى أصبح كالشاش ، هكذا قالت العمة فدوى.وأضافت : ثم رأيته يغمض عينيه فقلت إذن لقد نام ، تركته للسكينة وخرجت آخذ رقدة في غرفتي "وصلت الجدة صلاة الصبح ثم دخلت إلى القاعة القبلية فوجدت ياحسرتي كل شيء قد انتهى.

عودة